الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وكافة المرسلين وعباده الصالحين
اعلموا أحبابي الكرام أن شأن الله شأن عظيم وكبير شأن الله العزيز الجبار المتكبر
فهذا الموضوع ذو عمق جوهري في المعرفة بكل أنوارها وخطاب الله تعالى
يفقهه أولوا الألباب المتدبرين لكتابه وعزيز خطابه
ولو أُخْلِيَ العالَم لحظةً من حِفْظِه لتلاشى وبَطُلَ
ومن شأنه أن يغفرَ ذنباً، ويَسْتُرَ عيباً، ويُذْهِبَ كرباً ، ويُطَيِّبُ قلباً، ويُقْصِي عَبْداً ويُدْنِي عبداً
وله مع عباده كلَّ ساعَةٍ بِرٌّ جديدٌ، وسِرٌّ بينه وبين عبده وهو القريب الحاضر دوما بين عباده
اللطيف بهم .
( يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الآية ،
أهلُ السماواتِ يسألون أبداً المغفرة، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرَة،
والمعنى أن الناس تنقرض منهم أجيال وتبقى أجيال وكلُ باقٍ محتاج إلى أسباب بقائه وصلاح أحواله فهم في حاجة إلى الذي لا يفنى وهو غير محتاج إليهم لأنه الغني ولما أفضى الإِخبار إلى حاجة الناس إليه تعالى أتبع بأن الاحتياج عام أهل الأرض وأهل السماء فالجميع يسألونه، فسؤال أهل السماوات وهم الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ويسألون رضى الله تعالى، ومَنْ في الأرض وهم البشر يسألونه نعم الحياة والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات في الآخرة .
وقد يكون مبلغ العبد من العلم لا يكاد يتجاوز به الى غيره فالاشارة في معنى الآية يرافقه شأن ويوم لتجلي
هذا الشأن وهذا الشأن أعز شأن العزيز الغالب على أمره يطلبه من ابتغى مزيدا من الفضل والرضوان
والذي يريد الزيادة في الفضل والرضوان والهدى فهو انما يبتغي وجه الله العلي الكبير
وهو الذي يزيد عباده من فضله هدى وايمانا ويقينا .
فقوله تعالى ( يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ) الآية ، يسأله من فى السماوات من الملائكة كلهم على قدر مقاماتهم يسأله الخائف النجاة من البعد والحجاب ويسأله الراجي الوصول الى محل الفرح ويسال المطيع قوة عبادته ويسأل المحب ان يصل اليه ويسأل العارف أن يعرفه وهكذا أهل الأرض يسأل الجاهل ما يحتجب به عنه ويسأل العالم ما يعرف به ربه وكذلك الأنبياء والأولياء والأصفياء يسألون منه على قدر مراتبهم ودرجاتهم معرفته وكل عبيد الله متنافسون في قربه ، وهو تعالى يكون من حيث مراد الجميع يعطى الكل مأمولهم ويزيد من فضله ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الآية ، مزيد قرب المقربين وكشف اللقاء وظهوره فى كل ذرة ، ويظهر فى كل لحظة من أنوار عجائب قدرته و ربوبيته للمستأنسين ، وتلك العجائب بما لم ترها العيون ولم تدركه العقول ولم تعلمه القلوب ولم يلحقه الأرواح ولم تناولها الأشباح ولم تشاهده الأسرار وليس لها نهاية يبرز كل يوم واسعة أنوار عجائب ملكه وملكوته ومقاديرها ، فيستيقنوه حق اليقين ولا تظن أن أحدا يصل الى شأنه فان شأنه أعظم من أن يدركه أحد من خلقه فكل يوم له الى عبيده بر جديد و ايصال نعمه اليهم ودفع الضر عنهم وهذا التبين بالحق تتجلي أنواره
الزكية بآياتها فتنجلي حقائق هذه الأنوار في الآفاق وفي الأنفس فيتبين الحق ، وانما اظهار المقادير الى أوقاتها .
فيثبتها الى غاياتها الرضية بما رحم وعلم في سوابق علمه وأزله لما لله من عظيم الانعام والاكرام والرضوان على عباده .
فالاسم الأعظم بشر به المولى في عزيز خطابه وهي بشارة الرضوان ، والرضوان من الرضا الشديد لله تعالى
ولا يليق الرضوان كصفة الا لله عز وجل وهذا الرضوان نعيم أعظم ينفعل به القلب والوجدان وهو غاية المحبين
والطالبين ، أخفاه الله بين أسمائه كما أخفى ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر من رمضان ليذكر العبد مولاه بأسمائه كلها .
قال نعالى (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات ) الآية ، ولحكمة جلية عجل بشارة الرضوان قبل الجنات فالروح توجد حيث يفكر
العبد فاذا كان فكره في الله فهو معه ، مستشعرا مثول روحه بين يدي الحق جل علاه متيقظا لعظمته سبحانه متحققا باسمه وعظيم نعيم رضوانه فيجد حقيقتها في قلبه .
قال تعالى( كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ) الآية ،
جاء في الحديث القدسي ، قال تعالى - من علم اني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا -
رواه الحاكم والطبراني في الكبير عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاللهم أطعمنا من هذا الرضوان نعيما بحبك ومعرفة بعظيم قدرك واجعل وسيلتنا اليك أسمى الغايات وأن تتحقق غاياتك
الرضية لعلوشأنك فترضى برضا المكرمين من عبادك الذين ينفقون طلبا لرضوانك ، والذين صدقوا في محبتهم اليك ابتغاء وجهك العلي الكبير يا أرحم الراحمين ، واصلح حال هذه الأمة بشأنك العظيم
.