- 10 -
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
14 - رجب - 1428 هـ
28 - 07 - 2007 مـ
10:46 مساءً
( بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى )
ـــــــــــــــــــ
القول المختصر في المسيح الكذاب الأشِر ..
أرضُ الرّاحَةِ والأنامِ هي الأرضُ المَفروشَة .. والمَزيـدُ مِن التَّفصِيـلِ ..
بِسْمِ الله الرّحمن الرّحيم، وبه نَستَعينُ وأتَلقّى التّفهيم للبيان الحقّ لأسرارِ القرآن العظيم، والصّلاة والسّلامُ على خاتَم الأنبياءِ والمُرسَلينَ وآله الطيِّبينَ الطّاهرينَ وجميع المسلمين المُوَحِّدينَ لربّ العالَمين، أمّا بعد..
إنَّ أرضَ الرّاحةِ والأنامِ هي الأرضُ المَفروشة، وقال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١﴾ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [الرحمن].
وسُكّانها عالَم الجِنّ، ومِن ثمّ جعَلَ الله أبانا آدم خليفةً على عالم الجنّ، وكذلك أمَر الملائكة أن يُطيعُوا أمرَ خليفة الله في الأرضِ، وأمّا إبليس فطلبَ مِن الله أن يُنظِرَه وذلك لأنَّ الله لعنَه وأمَرهُ أن يَخرُجَ منها؛ ولكنّ الله لبَّى طلبَهُ ليَزيدَهُ إثمًا، ووَعدَه الله ليُخرِجَه منها مَذءومًا مَدحُورًا، وذلك سيكون بنتيجةِ مَعركةٍ بين الحقّ والبَاطِل وقد جاء أجَلُها المَقدورُ في الكتابِ المَسطورِ، وقد أخّر الله خُروجَه إلى يوم البعثِ الأوّل؛ قال: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿٣٧﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿٣٨﴾} [الحجر]، ولكنّه كان تَحَدٍّ بين ربّ العالَمِين وعَدُوّه، وذلك لأنّ الشيطان طلبَ منهُ أن يُنظِرَه ولم يسأله مِن بابِ طلبِ رحمتِه؛ بل مِن بابِ التّحدِّي، فلعَنه الله في قوله تعالى: {لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴿١١٨﴾} صدق الله العظيم [النساء].
ومِن ثمّ أجابَ الله طلبَه وقال اخرُج منها مَذءُومًا مَدحُورًا. قال الله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ولكن إذا تابَعتُم نصَّ القُرآن تَجدونَ بأنّ الله فِعلًا أخّرَ خُروجَه إلى يوم الوقتِ المَعلومِ فيُخرِجه منها مَذءومًا مَدحورًا، والدّليل على أنَّ الله أخَّرَ خُروجَه امتِحانًا لآدم وزوجته. قال الله تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴿١١٧﴾ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴿١١٨﴾ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴿١١٩﴾} صدق الله العليّ العظيم [طه].
وبعد زمَنٍ قَصيرٍ تَظاهَر الشيطانُ بأنّه نادِمٌ على عِصيانِ أمرِ ربِّه، وأظهَرَ النُصحَ لآدم وأنّه مُطيعٌ لأمرِه وذلك حتى يَظنّوا بأنّه تابَ إلى الله وأنّه قد أصبَح لهم ناصِحًا أمينًا، وكلّ ذلك كذِبٌ ليُغرِّرَ آدم وزوجتَه بأنّه قد أصبَح لهما ناصِحًا أمينًا، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴿١١﴾ قالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿١٢﴾ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴿١٣﴾ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٤﴾ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿١٥﴾ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿١٧﴾ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿١٨﴾ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٩﴾ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿٢٠﴾ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٢٢﴾ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٢٣﴾ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿٢٤﴾ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴿٢٥﴾ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿٢٦﴾ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴿٢٧﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ولي سُؤالٌ يا ابن عمر، إذا كان الله قد أخرَج الشيطان فكيفَ عادَ إلى الجنة وكلَّم آدم وزوجَته وقاسَمَهُما إنِّي لكَ لمِنَ النّاصِحين؟ وسوفَ أُجيبُكَ عليه مِن القرآن العظيم بأنّ الله فِعلًا ترَكَ الشيطان في الجنّة عند آدم وزوجته، وقال الله تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴿١١٧﴾ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴿١١٨﴾ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴿١١٩﴾} صدق الله العلي العظيم [طه].
أم تَظنُّ بأنَّ إبليس خاطَبَ آدم فَورًا فقال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿٢٠﴾ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾} صدق الله العلي العظيم؟ فلم يَقُل لآدم هذا إلّا بعدَ زمنٍ؛ بعدَ أن تظاهَرَ لآدم وزوجتِه بالنَّدمِ على عِصيانِ ربّه بعَدَمِ إطاعَة أمرِ آدم، ثمّ تظاهَر لهما بالطّاعة والانقِيادِ والنُصحِ حتى يُصدِّقوهُ في المَكرِ الذي سوفَ يقول بعد أن يَمنَحوهُ ثِقَتَهم لذلك قال الله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِن النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾} صدق الله العليّ العظيم [الأعراف]، ودَلّاهُما بغُرور.
ولكنّ الذي غَرّكُم في الأمرِ هو ذِكرُ الجنّة في القِصّة فظنَنتُم بأنّها جنّة المأوى، ولكنّها عند سِدرة المُنتهَى، ولم يَرِدْ في القُرآن بأنّ الله جعَل آدم خليفةً فيها بل كرَّر ذلك - القرآن - بأنّه جعَل آدم خليفةً في الأرض؛ بل ويَذكُر القرآن جنّاتٍ في الأرض. كمِثل قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٧﴾} [الشعراء]، ويَقصِدُ آل فرعون.
وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}[القلم:17].
ولكنّكم ظَننتُم بأنّ اسمَ {الْجَنَّةِ} لا يُطلَقُ إلّا على جنّة المأوى! بل يُطلَقُ على كلّ أرضٍ مُخضَرَّةٍ بالأشجار والفواكه؛ وهي الأرض المفروشة وليست مُسطّحةً بل مفروشةً مُستويةً، فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمّانٌ؛ بل هي الرّيحان. وتوجد باطِن الأرض ما وراءَ البراكين فليست طبقة البراكين ببَعيدٍ، والجنة تحتَ الثّرى بمسافةٍ كبيرةٍ والبراكين دونها قريبةٌ إلى السّطح، وقد ذَكَر القرآن عِدّة عَوالمَ في آيةٍ واحدةٍ؛ عالَمٌ في السماء وعالَمٌ في الأرض وعالَمٌ دون السّماء وعالَمٌ تحت الثّرى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [طه].
وهي الأرض التي ذكَرَها الله في القرآن: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١﴾ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [الرحمن].
ويَسكُنها عالَم الجنّ وهم الذين استَخلفَ اللهُ آدمَ عليهم بدلًا عن إبليس الذي يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدّماء. لذلك قال: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٢﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].
وهذه الأرض المفروشة هي قاعٌ مُستوِيةٌ، وقال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْناهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴿٤٨﴾} صدق الله العظيم [الذاريات].
وهي على بوّابتين؛ بوابةٌ في مُنتهى طَرفِ الأرض شمالًا وبوابةٌ أخرى في منتهى طَرفِ الأرض جنوبًا، وذلك لأنّ الأرض ليست كُرَوِيّةً تمامًا بل شِبه كُرَوِيّةٍ، ولهذه الأرض بوّابتان ولها مَشرقان ومَغربان فإذا غابَت الشمس عن البوّابة الجنوبيّة، أشرَقت عليها مرّةً أخرى مِن البوّابة الشّماليّة، وإذا غابَت عن الشّماليّة تُشرِق عليها مرةً أخرى من الجنوبيّة، فأصبح لهذه الأرض بوّابتان، وأعظم مسافةٍ في الأرض هي المسافةُ بين هاتين البوّابتين، لذلك قال الإنسان لقرينِه الشيطان: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف:38]، وذلك لأنّ أعظم مسافةٍ في الأرض هي المسافة التي بين البوّابتين، وهُنّ بوّابة الأرض الشماليّة وتوجَد في مُنتهَى أطرافِ الأرض شمالًا والأخرى في مُنتهَى أطرافِ الأرض جنوبًا، وسَدّ ذي القرنين بين السدّين أي بين نِصفَيْ الكُرة الأرضيّة، وسَمّاهم السدّين لأنّ كلّ منهما يَسُدُّ على الآخَرِ ضَوء الشمس فيكون نِصفٌ مُظلِمًا والنِّصفُ الآخر نهارًا وهذا بالنِّسبة لسَطحِ الأرض، وأمّا السّدّ فَبينهما في مَضيقٍ في التّجويفِ الأرضيّ؛ فجعَل بَينهُما رَدمًا، ويأجوج ومأجوج إلى جهةٍ وعالَمٌ آخر إلى جهةٍ أُخرى، وهذه الأرض ذات المَشرقين وذات المَغربين بسبب البوّابتين، وأمّا سَطح الأرض فليس لها إلّا مَشارقُ إلى جهةٍ ومغاربُ يُقابِلها، أمّا الأرض المَفروشة فلها مَشرقان ومَغربان لذلك قال الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴿١٧﴾} صدق الله العظيم [الرحمن].
وأمّا ظاهِرُ الأرضِ فليسَ له سِوى جِهةٍ شَرقيّةٍ واحِدةٍ وجِهةٍ غربيّةٍ واحدةٍ، وقال الله تعالى: {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [المزمل].
ويا قوم إنّكم لتُجادِلوني في حقائق آياتٍ لها تصديقٌ على الواقِع الحقيقيّ لو كنتم تعلمون، فلو اطَّلعتُم عليها لوَجدتُم حقيقة التّأويلِ على الواقِع الحقيقيّ كما وَجدَ ذلك ذو القرنين في رحلتِه إلى مُنتهَى أطرافِ الأرضِ شمالًا وجنوبًا، ثمّ قامَ برِحلةٍ في التّجويفِ الأرضيّ فوجَد مِن دونِهما قومًا.
وبالله عليكم أين يأجوج ومأجوج؟ وإنّهم يُوجَدونَ حيث يوجَدُ سدّ ذي القرنين. فأين سَدّ ذي القرنين؟ ولماذا لم تكشِفهُ الأقمارُ الصِّناعيّة؟ ولو كان ذلك على سطحِ الأرض لشَاهَدَه أهل الفضاءِ؛ بل هم تحتَ الثّرى حيث يأجوج ومأجوج وهم مِن كلّ حَدَبٍ يَنسِلون؛ وتِلكَ شَريعةُ المسيح الدجال (إباحَة الفاحِشة) فتَحمِل الأنثى بعِدَّةِ أولادٍ مِن هذا وذاكَ مَخلوطينَ (شياطينُ جنٍّ وإنسٍ) بل يُمارِسونَ الفاحِشَة بشَكلٍ مُستَمرٍّ وهم يَصرُخونَ لأنّ الشياطينَ تؤُزُّهم أزًا.
وقد سَمِعَ الباحثونَ الرُّوس أصواتَ هذا العالَم الذي في باطِنِ الأرضِ بعد أن حفَر عُلماءُ الرّوس آلاف الأمتار وهم يبحثونَ عن مَعادِن الأرض، ولكنّهم سَمِعوا أصواتًا لعالَمٍ آخَر وأدهَشَهم ذلك، وقال الزّندانيّ تعليقًا على ذلك الموضوع بأنّهم أصحاب النار، وطلبَ مِن العُلماءِ البحثَ عن حقيقة تِلكَ الأصواتِ فهو يَرى بأنّهم أصحابُ النار، ولكنّي أخالفُه في هذا القولِ وأقول بأنّهم يأجوجُ ومأجوجُ، وأمّا الصُّراخ فقليلًا منه يَصدُر مِن أحَدِهم بسببِ مُمارسَة الفاحِشَة، وأكثَر الأصواتِ (ضَجيجُ أصواتٍ) ولها صَدًى في باطِن الأرضِ، ولكنّ الزندانيّ يَزعمُ بأنّهم أصحابُ النار، وقد سبَق وبيّنّا لكم أين تكونُ النّار في الخِطابِ الذي نفيتُ فيه عذابَ القبرِ في حُفرةِ السَّوءَةِ؛ بل يُعذَّبونَ في النار والعذابُ على الرُّوحِ فقط، ولا فرقَ بين عذابِ الرّوح والجَسَد؛ وكُل الحَوَاس هي للرُّوحِ فإذا خرجَت لا يَشعُر الجسَدُ بشيءٍ حتى لو احتَرقَ وصارَ رمادًا، وسبَق أن بينّا مَوقِع النّار وأنها فوقَ الأرض ودونَ السّماء، وقال الله تعالى: {هَـٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴿٥٥﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿٥٦﴾ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴿٥٧﴾ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴿٥٨﴾ هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ ﴿٥٩﴾ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٦٠﴾ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴿٦١﴾ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ ﴿٦٢﴾ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴿٦٣﴾ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴿٦٤﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿٦٥﴾ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴿٦٦﴾ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴿٦٧﴾ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴿٦٨﴾ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾ إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [ص].
فمَن يَتَدبّرُ هذه الآياتِ التي تتكلّم عن تَخاصُمِ أهل النار ومِن ثمّ يَجِدُ قوله: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾}، ومِن ثمّ يتبيَّنُ له حقيقة إسراءِ مُحمدٍ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بأنّ النار حقًّا توجدُ دونَ السماء وفوقَ الأرضِ، وأهلُ النارِ مَلَأٌ أعلى بالنسبة لأهلِ الأرضِ، ولم تتكلّم الآياتُ عن تخاصُمِ الملائكة بل عن تَخاصُم أهل النار، ولو تدبَّرَ القارِئُ القولَ الفَصلَ بين عذابِ يوم الحِسابِ وعذابِ البَرزَخ وهو قوله تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴿٥٨﴾} صدق الله العظيم [ص]، ومِن ثمّ يَسردُ تخاصُم أهلِ النار إلى قوله:{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾ إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [ص]، وقد أخبَركُم رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بأنّه ليلة الإسراءِ والمِعراجِ مرَّ على أهلِ النّار فوَجَدَهم في النار جميعًا وليسوا أشتاتًا في قبورِهم.
وأرجو مِن الباحثينَ عن الحقيقةِ أن يَضَعوا بحثَ (أصوات باطِنِ الأرضِ) وسوفَ يَجِدونَ شَريطًا مُسجَّلًا لأصواتِ وضَجيجِ المَلايين بباطِن الأرضِ؛ وهذه حقيقةٌ بلا شكٍّ أو ريبٍ، وأُفتِي في أمرِهِم بأنّهم يأجوجُ ومأجوجُ، وأُخالِفُ الشيخ عبد المجيد الزّندانيّ في قوله بأنّهم أصحابُ النار، والآية جليّةٌ وواضِحَةٌ تقولُ بأنّ النار مَلَأٌ أعلى بالنسبة لأهلِ الأرضِ، ولم يَقُل القرآن بأنّ النار التي وعَدَ بها الكفّار باطِن الأرض بل مِن أعلى الأرض ودونَ السّماء، وقد مرَّ عليهم مُحمدٌ رسول الله في المِعراج تصديقًا لقول الله تعالى: {وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴿٩٥﴾} صدق الله العظيم [المؤمنون].
فاذهَبُوا إلى البَحثِ في قوقل (أصوات باطِنِ الأرض) وسَوفَ تَجِدونَ ذلك على الواقِع.
أخوكم؛ الإمام ناصر محمد اليماني.
____________