الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
14 - شوال - 1428 هـ
26 - 10 - 2007 مـ
09:54 مساءً
( بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى )
ــــــــــــــــــــــــــ
{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}
صدق الله العظيـم ..
بِسْمِ الله الرّحمن الرّحيم؛ والصّلاة والسّلام على محمدٍ رسول الله وآله الطيّبين الطّاهرين والتّابعين بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وبعد..
قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾} صدق الله العظيم [الفرقان]. يا محمديّ؛ أُقسِمُ بالله العَليِّ العظيم نور السّماوات والأرض الذي يهدي لنورِه مَن يشاءُ ومَن لم يجعل الله له نورًا فما له مِن نورٍ بأنّك لعنتَ المهديّ المنتظَر مِن أهل البيت المُطّهر يا محمديّ، فبِأيِّ حقٍّ تراني أستحقُّ اللعن يا محمديّ؟ هل دعَوتُك للكفر بالله أم أدعو النّاس إلى الحقّ والرُّجوعِ إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فهل هذه هي مَوَدَّتُك لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ وإنّما أدعو إلى سبيل ربّي على بصيرةٍ مِن ربّي وهي نفس بصيرة محمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - القرآن العظيم - لمن شاء منكم أن يستقيم، ولكنّك لا تشاءُ الهُدى يا محمديّ فكيف أُلزِمُك بالحقّ وأنت لا تريدُ الحقّ؟ وأنا لم أنكِر أئمة أهل البيت كما علِمتُ أنّهم اثنا عشر إمامًا مِن أهل بيت رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - مِن ذريّة الإمام عليّ بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد عليهم الصّلاة والسّلام أوَّلهم الإمام عليّ بن أبي طالب وآخِرهم اليماني الإمام الثّاني عشر مِن أهل البيت المطّهر؛ المهديّ المنتظَر الإمام ناصر محمد اليماني، وما كانت حُجَّتك علينا إلّا قولك لماذا لم أبيّن لك أسماء الأئمة الاثنَيْ عشر، فهل ترى لو أبيّنُ لك أسماءهم فإنك سوف تُصدّقني؟ بل والله لا يَزيدُك إلّا عُتُوًّا ونُفورًا عن الحقّ يا محمديّ.
ولسوف أبيّن لك بأنّ تَسمِيَتكم للإمام المهديّ باسم محمد بن الحسن العسكري ما أنزلَ الله بها مِن سُلطانٍ فارجِع إلى روايات أهل البيت وانظر ما يقولون عن الإمام اليماني وإنّ أهدى الرّايات رايَته وأنّه مِن أهل البيت المُطّهر، وما دُمتُم تعتَرفونَ بالإمام اليماني إذًا أصبَح عدد أئمة أهل البيت ثلاثة عشر إمامًا! ولكنّي لا أعلَمُهم غير اثني عشر إمامًا وأنتم كذلك تعتقِدونَ باثني عشر إمامًا، إذًا يا محمديّ يوجد هناك إمامٌ زائدٌ ما أنزَل الله به مِن سُلطان، فأمّا اليماني فإنّه مَن تَلعنُه يا محمديّ، وأمّا المُفتَرى الذي لم يُنزل الله به مِن سُلطان فلن يأتي أبدًا وذلك لأنه لا وُجودَ له على الإطلاق، ويا محمديّ ما تقول فيما يأتي مِن الحقّ؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: [لو لم يبق مِن الدنيا إلا يوم واحد لطوّلَ الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلًا مِن أهل بيتي – يُواطئ اسمه اسمي باسم أبيه، يَملأ الأرض عدلًا كما مُلِئَت جورًا وظُلمًا].
وهذا حديثُ حقٍّ ولكنّه ورَدَ فيه إدراجٌ وهو ما يأتي: [لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلًا منِّي – أو مِن أهل بيتي – يُواطئ اسمه اسمي واسم أبيه، يملأ الأرض..] الحديث، فأمّا الإدراجُ في هذا الحديث فهو يوجد فيه قولٌ بالظنِّ؛ وهو قولهم: [منِّي]، ولم يكن المهديّ المنتظَر مِن ذُريّة محمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولم يكن محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أبا أحدٍ مِن رجال قريش. تصديقًا لقول الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} صدق الله العظيم [الأحزاب:40].
ويا محمديّ، عليك أن تعلمَ بأنّ المرأة لا تحمِلُ ذُرِّيّة أبيها بل ذُرِّيَّتها ذُرِّيّة صِهر أبيها وهو زوجها. تصديقًا لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [الفرقان].
فأما النسب: فإنّه الذَّكَر الذي يحمِلُ نسبَ أبيه وذُرِّيّته.
وأمّا الصِّهر: فهي الأنثى التي تحمِل ذُريّة الصِّهر، وعندما أقول ذُرِّيّة فاطمة بنت محمد فليس المَقصودُ أنها ذُرِّيّة محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ بل ذُرِّيّة صِهر محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وهو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه الصّلاة والسّلام.
إذًا بيَّنا كلمات الإدراج الزّائِدة بغير الحقّ في الحديث الحقّ وهو قولهم: [حتى يبعث الله فيه رجلًا منّي].
بل أقولُ الحقّ الذي نطقَ به محمدٌ رسول الله وأنفِي المُفتَرى والإدراج الزَّائد بنَصّ القرآن كما بيّنا لكم أنّه لا ينبغي له أن يقول مِنِّي وذلك لأنّه يعلمُ بأنّ فاطمة ابنته لا تحمِلُ ذُرِّيّته بل تَحمِل ذُرِّيّة صِهرِه وأنّ الابن هو الذي يَحمِلُ الذُريّة، وإنّما النساء حرثٌ للبذر لذلك قال لي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - في الرُّؤيا: [كان مِنِّي حرثك وعليٌّ بذرك]، ومِن ثمّ أقول: أليس جدِّي الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ولم يأتِ ذِكر اسم محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بل جاء يحمِلُ نسَبَ أبيه الإمام عليّ بن أبي طالب، ومِن خلال ذلك تعلمون بأنّ هذا الحديث حقٌ، ولكنه تبيّن أنَّ فيه إدراجٌ؛ بمعنى أنّه لم يَرِدْ كما نطقَ به محمدٌ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد بيّنا لكم كلمات الحديث الذي نطقَ بها محمدٌ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: [لو لم يبقَ مِن الدنيا إلا يوم واحدٌ لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعثَ الله فيه رجلًا مِن أهل بيتي – يُواطئ اسمه اسمي باسم أبيه، يملأ الأرض عدلًا كما مُلِئت جوْرًا وظلمًا].
ثمّ عليك أن تعلمَ الحِكمة مِن التّواطؤ لاسم محمدٍ رسولِ الله في اسم أبي المهديّ، وذلك لتَفهَم بأنّه لا بُدّ أن يكون اسم المهديّ هو الصِّفة التي يأتي بها، بمعنى أنه ليس نبيًّا ولا رسولًا بل الإمام الناصر لمحمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيُصبح اسم المهديّ هو خبره وعنوان أمره، وحتى يُوافِق الاسم الخبر فلا ينبغي أن يكون اسم المهديّ محمد بن عبد الله ولا محمد الحسن بل ناصرَ محمدٍ، وهو ذلك الاسم الذي أوّله (ن) والذي وعدَ الله به نبيّه ليظهرَ على يديه أمره للناس أجمعين حتى يَتبيّنَ للعالمين أنَّ القرآن الذي جاء به محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - هو الحقّ من ربّهم. تصديقًا لقول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصّلت:53].
وتصديقًا لقول الله تعالى: {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:105].
وتفهم مِن ذلك بأنّ المهديّ يبعثُه الله في أمّة يُحيطهم الله بما شاء مِن عِلمه وذلك حتى يُخاطِبَهم المهديّ المنتظَر بالعِلم والمنطِق، لذلك تراني أدعو النّاس وعلماءهم مُتحدِّيًا بالبيان الحقّ بالعِلم والمنطِق الحقّ على الواقِع الحقيقيّ، وإنّك تريد أن تسألني عن أسماء الأئمة وذلك لتنظر هل أذكرهم حسب ما ورَدَ لدى الشيعة؟ ومِن ثمّ تحتَجُّ علينا وتقول: "لماذا اعتَرفتَ بالأسماء التي لدى الشيعة ولم تُنكِر غيرَ اسمٍ وهو (محمد بن الحسن العسكري)، فلماذا الشيعة لم يُخطِئوا في اسم أحدَ عشرَ إمامًا ومِن ثم تُخَطِّئُهم في إمامٍ واحدٍ؟ وذلك حتى تُغيِّر اسمه لاسم ناصر محمد!"، وأظنّ ذلك ما تبغي يا محمدي. ولكنّي ما دمتُ أرى الشيعة أخطأوا في اسم المهديّ الثاني عشر ويُسمُّونَه محمد بن الحسن العسكري فمَن يضمَنُ لي بأنّهم ليسوا مُخطِئين في بعض الأسماء الأخرى؟ لذلك لا أتّبِعُهم في الأسماء ولكنّي أصدِّقُهم في العدد، وليس مِن الضّروري أن أعلمَ أسماءهم جميعًا فذلك لا يفيدُ بشيءٍ؛ ولكنّ المُهِمّ أن أعلَم أنّهم اثنا عشر إمامًا كما علَّمني ربّي بذلك وأراني صُوَرهم ولو يعلَم الله ضرورة أسمائهم لعلَّمنِي بها، وكما قلت لك مِن قبل يا محمديّ: وتالله لو يُريني ربّي في رؤيا محمدًا رسولَ الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - فيُخبِرني بأسمائِهم جميعًا لما صدَّقتَني شيئًا يا محمديّ، ولكنّي أقول لك شيئًا: إن كنتَ ترانِي على ضَلالٍ فعليك أن تُقنِعَ الذين اتّبعوني بعلمٍ وسُلطانٍ مُنيرٍ مِن القرآن، فإن استطعتَ يا محمديّ فقد استَحققتُ لعنتَك، وإن لم تستطِع فاعلم أنّك مِن الجاهلين؛ مِن الذين يُخاطِبون أهل العِلم بالسَّبِّ والشتمِ واللّعن بغير علمٍ ولا هُدىً ولا كتابٍ منيرٍ.
ويا محمديّ، لقد لعنتَ المهديّ المنتظَر كمِثل الشجرة الطيِّبة تَرميها بالحَجر وترميكَ بالثّمر؛ فأنتَ تلعنُ المهديَّ الحقّ وتشتُمه وهو يَزيدُك عِلمًا مَعذرةً إلى ربّي ولعلّك تتّقي يا محمديّ، وبالله عليكَ افرِض أنّي المهديّ المنتظَر الحقّ وأنت تلعنُه فعندها سوف تبوءُ بغضبِ الله ولعنته ولعنة ملائكته ولعنة النّاس أجمعين، ولكنّي المهديّ المنتظَر أقول:
"اللّهم لا تُجِبْ لعنةَ مَن لعنَ المحمديّ مِن أوليائِي فقد عَفوْتُ عنه وذلك لأنّه جُزءٌ مِن تحقيقِ هدَفي وغايتي وهو أن أهدي النّاس جميعًا إلى صراطِكَ المستقيم إنّك أنت السَّميعُ العَليم، اللّهم إن كنتَ تَعلمُ بأنّك لو تريه سبيل الحقّ حتى يعلم علم اليقين بأنّي حقًّا المهديّ المنتظر فاهدِهِ إلى الحقّ واعفُ عنه يا مَن تُحبُّ العفو عن عبادك إنّك خير الغافِرين، وإن كان مِن شياطين البشر الذين إن يَرَوا سبيلَ الحقّ لا يتّخِذوه سبيلًا وإن يَرَوا سبيلَ الغَيِّ والباطِل يتَّخِذوهُ سبيلًا فلكَ الحُكمُ والأمر فاحكُم بيني وبينهم بالحقّ وأنتَ أسرعُ الحاسِبين".
ويا معشَر الأولياء لا تسُبّوا ولا تلعنوا مَن لعَن ناصر محمد اليماني فيُجيب الله لعنتَكم عليه بالحقّ فيَلعنه ثم يُبيّن له الحقّ حتى يعلَم أنّه الحقّ ثمّ لا يتّبِعه ومِن ثم يلعنه الله كما لعنَ شياطين الجنّ والإنس؛ بل ساعِدوني في تحقيقِ جنّتي ومُنتَهى غايتي وهو أن يكونَ الله راضيًا في نفسه، فقد حرّمتُ على نفسي الدُّخولَ إلى جنّة النّعيم حتى يُحقِّق لي ربّي النّعيم الأعظم مِن ذلك إلى نفسي وهو أن يكونَ ربّي راضيًا في نفسه، ولكن يا إخواني وأوليائي لقد حالَ كثيرٌ من النّاس بيني وبين تحقيقِ غايتي.
ويا معشر أهل الحبّ، بالله عليكم هل لو كان أحدُكم في نعيمٍ وسُرورٍ وهو يرى أحبّ واحدٍ إليه ليس مَسرورًا بل غضبان أسفًا وحزينًا في نفسه فهل تظنّونَ بأنّكم سوف تكونون سُعداء فيما أنتم فيه ومَن تُحبُّونَ ليس سعيدًا ولا مسرورًا؛ بل غضبانًا ومُتَحسِّرًا على عبادهِ؟ فأين السّعادة إذًا؟ وأفٍّ لجنةٍ عَرضُها السّماوات والأرض فأدخلها ما لم يكن حبيبي راضيًا في نفسِه وليس مُتحسِّرًا على عباده.
وتالله ما كان حِرصي على النّاس كحِرصِ جدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - على النّاس لأنّه رؤوفٌ رحيمٌ، بل لأنّي علِمتُ بأنّ الله هو أرحمُ بعبادِه مِن محمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكذلك أرحم بعباده مِن جميع الأنبياء والمُرسَلين؛ بل أرحمُ بعبادِه مِن جميع الرُّحماء في السّماوات والأرض ذلك لأنّ الله هو أرحمُ الرّاحمين؛ بل وجدتُ في القرآن العظيم بأنّ الله ما أرسَل إلى قريةٍ رسولًا منهم ثم يُكذِّبونَه فيدعو عليهم إلّا أجابَه الله ودمّرَ الكفّارَ برَسولهم تدميرًا، حتى إذا ذهبَ الغيظُ مِن نفس الله مِن بعد أن انتقَم منهم بالحقّ ومِن ثمّ يقولُ قولًا في نفسِه لا تسمَعه ملائكتُه ولا جِنُّه ولا إنسُه ولا جميع المُقَرَّبين عنده، وذلك لأنهم لا يعلمونَ ما في نفسِ ربّهم يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾} [يس].
ولكنّ المهديّ المنتظَر قد علِمَ ما يقوله الله في نفسه مِن بعد أن يكذِّب النّاسُ رسلَ ربّهم ومِن ثمّ يُدمِّرهم تدميرًا فإذا هم خامِدون، وهم جميعًا قد آمنوا برَسولهم مِن بعد ما أراهم العذابَ يوم يأتيهم، ولكنّه لم يكن ينفعهم الإيمان، وتلك سُنّة الله في الكتاب في جميع القُرى، وقال الله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿١٠﴾ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴿١١﴾ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴿١٢﴾ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴿١٣﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [الأنبياء].
فانظروا إلى قولهم حين جاءهم بأسُ ربّهم فنقّبوا في البلادِ حينَ مَناص هل يجدونَ مَهربًا مِن بأسِ ربّهم حين جاءهم؟! ولكنهم لا يستطيعون منه هربًا، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴿١٢﴾ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴿١٣﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.
ويا معشَر المسلمين والنّاس أجمعين إنّه لا ينفعكم الإيمان بأمري إذا جاء بأسُ الله وتلك سنة الله في الكتاب، ولكن تدبّروا قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.
فلماذا قال: {فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾}؟ ومِن خلال ذلك تفهَمونَ بأنّكم تستطيعونَ أن تكشِفوا عذابَ ربّكم يوم وقوعِه وذلك ليس بالاعتِراف بظُلمكم فحسب فلن ينفعَكم ذلك إذًا لنفعَ الذين مِن قَبلِكم، فتعالوا لأعلّمكم الدّعوة التي كشفَ الله بها العذاب عن مائة ألفٍ مِن قومِ يونس فنفعَهم الإيمان ولكن أيُّ إيمانٍ يا قوم؟ إنّه الإيمان برحمة ربّهم حين وعَظَهم رجلٌ صالحٌ مسكينٌ كان يكتُمُ إيمانَه خَشيَة أن يفتِنوه عن إيمانه أو يقتُلوه بل لم يعلم بإيمانه حتى يونس عليه الصّلاة والسّلام، فالتَزَم الرجل الصّالحُ داره وفي ذاتِ يومٍ سَمِعَ ضجيجًا وصُراخَ النّاس فخرج عليهم لينظُر ما حدث ومِن ثمّ خطب فيهم وقال:
"يا قوم إنّه لن ينفعكم اعتِرافُكم بظلمِكم على أنفسكم بالتّكذيب إذًا لنفعَ الذين مِن قبلِكم فإذا وقَع العذاب آمنوا برَسولهم فلم يَنفَعْهم ذلك، ولكن اعلموا بأنّ الله قد كتبَ على نفسه الرّحمة، فاسألوا الله بحقّ رحمتِه التي كتبَ على نفسِه وقولوا: ربَّنا إنَّا ظلمنا أنفسنا فإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكونَنّ مِن الخاسرين".
ومِن ثمّ جَأروا إلى ربّهم مُنيبينَ إليه سائلين ربّهم أن يغفِرَ لهم ويَرحمَهم مُعتَرفينَ أنّه لا مَفرّ ولا مَنجى مِن بأس الله إلا الفِرار إليه والإنابة بين يديه رجاءَ رحمتِه وغُفرانِه أن يَكشِفَ عنهم العذاب إنّه هو أرحم الراحمين، ومِن ثمّ لم يُنكِر الله هذه الصِّفة في نفسه فاستجابَ لهم إنّه كان بعبادِه غفورًا رحيمًا.
وذلك سِرُّ كشفِ العذاب عن قوم يونس ولو لم يسألوا الله رحمتَه لما استجابَ لهم كما لم يستجِب للذين مِن قبلِهم، وذلك السرّ الحقّ لسبب كشفِ العذابِ عن قوم يونس. وقال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿٩٨﴾} صدق الله العظيم [يونس].
ويا معشَر المسلمين تعالوا لأعَلّمَكم ما يقوله الله في نفسِه فورَ تدمير الكفار الذين كذَّبوا بِرُسلِ ربّهم؛ إنّه يتَحسَّر على عباده يا قوم بسبب عظَمة صِفَة الرّحمة في نفسه تعالى عمّا يُشرِكونَ عُلوًّا كبيرًا، وقال الله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾} صدق الله العظيم [يس].
إذًا يا أوليائي، عجبًا مِن جميع المُقرَّبينَ عند ربّهم في جنّته فرِحين بما آتاهم الله مِن فَضلِه ويَستَبشِرونَ بالذين لم يَلحَقوا بهم مِن خلفِهم، فعَجَبي مِن أمرِهم إذ كيف يَهنَأون بالنّعيم والحور العين وهذا حال ربّهم؟ إذًا فقد كانت عِبادتهم لرضوان الله وسيلةً لتحقيق الغاية وهي النّعيم والحور العِين! ولكنَّ المهديّ المنتظَر لن يفعلَ ذلك بل يَعلم بأنّ رضوان الله في نفسه لهو النّعيم الأعظم والله على ما أقول شهيدٌ ووكيلٌ.
ويا أيّها النّاس وتالله لا ينبغي لكم أن تظلِموني وتَحرِمُوني تَحقيقَ نعيمِي الأعظم ولسوف يُظهِرني ربّي عليكم في ليلةٍ وأنتم من الصّاغرين، اللهم اغفر لـ (المحمدي) إنّه لا يعلَم، إنَّك أنت الغفور الرَّحيم، وسَلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربّ العالَمين.
الإمام ناصر محمد اليماني.
______________