بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمُرسلين وآله التوابين المُتطهرين والتابعين للحق إلى يوم الدين)
قال الله تعالى))
((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)صدق الله العظيم
و هذه قصة رجلين أخوة كان أحدهم غني لديه أغنام كثير ومزرعة وأما الآخر فهو فقير ولديه قليل من الغنم لا تساوي إلا بنسبة (1/100) إلى غنم أخيه ولهُ أولاد كثير و غنمه القليل هي مصدر عيشهم هو وأولاده وهو جار أخيه قربا" وجُنباً ودخلت غُنيماته مزرعة أخيه الغني ونفشت فيها ولذلك قال الله تعالى))
(( الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ))صدق الله العظيم وذلك لأنها مصدر رزق القوم و هو الرجل الفقير وأولاده
ومن ثم أخذ الغنم صاحب المزرعة الغني وهو يعلم أن ليس لدى أخيه مال ليقوم بتعويضه وقال له لقد ضممت غنمك إلى غنمي لأنها أكلت بضعف ثمنها ، ولكن أخاه فقير وليس لديه إلا هذه الغنيمات القليلة وهي مصدر قوته الوحيد هو وأولاده ولكن أخاه ضم غُنيماته القليلة إلى غنمه الكثير بحجة إتلاف الحرث ويُطالب أخيه أن يفيه عليها مالاً لأنه يقول أنها أتلفت ضعف ثمنها و من ثم اختصموا إلى داوود عليه الصلاة والسلام حتى يحكم بينهم بالحق ، كما يرجو الفقير ، وكان الغني فصيح اللسان بليغ الكلام تكلم بين يدي الحاكم داوود وعز أخيه الفقير بالخطاب بين يدي الحاكم داوود عليه الصلاة والسلام وهو يرفع الدعوى على أخيه أن يفيه مالاً فوق غنمه لأن الغنم كما يقول أنها أكلت بضعف ثمنها وأما أخاه فهو ليس مُنكرا" بأن غنمه نفشت في حرث أخيه ولذلك كان مُنصتاً فظن داوود أن إنصاته يُعتبر اعترافا" منه بما قاله المُدعي و لم يُنكر أي شيئ من دعوى أخيه فلما رأى داوود أن صاحب الغنم مُنصت ولم يرد على الإدعاء بشيئ من الإنكار فظن داوود أن ذلك اعتراف من صاحب الأغنام الفقير أن الغنم حقاً نفشت بالمزرعة وأنها حقاً أكلت ضعف أثمانها ، و إنما في الحقيقة فقد عزه أخاه بالكلام بين يدي الحاكم ، ومن ثم حكم داوود بغنم الفقير للغني وهي بما أكلت دونما يزيده مالاً فهو جاره قُربا" وجُنباً و كان سُليمان عليه الصلاة والسلام إلى جانب أبيه فنظر من بعد الحُكم إلى وجه الفقير فرآه مُخنوقا" يكاد أن يبكي من ظلم أخيه له فليس لديه هو و أولاده غير تلك الغُنيمات و هي مصدر عيشه الوحيد هو و أولاده وأما أخاه فهو غني فلديه أغنام كثيرة ومزرعة، ولكن المظلوم أناب إلى الله في نفسه يشكو إليه ظُلم أخيه له فكيف يريد أن يضم غنمه القليل إلى أغنامه وهي لا تساوي إلى غنم أخيه الكثير إلا بنسبة واحد في المائة و لا يزال يحسده عليها ، نظراً لأن أخاه الفقير أحب إلى الناس منه ، ولكن المُتقين يجعل لهم الرحمن وداً وهو يعلمُ بحاله ويعلمُ أنها مصدر عيشه هو و أولاده ، فألهم الله سُليمان الحكم الحق بأن يطّلع أباه الحاكم بنفسه ومعه خبيرا" بالحرث لكي يتم الإطلاع على ما أتلفت الغنم في الحرث ثم يتم تقديره بالحق من غير ظُلم ثم تبين لداوود عليه الصلاة والسلام من بعد الإطلاع أنه حكم على الرجل بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً وتبين له إنما أعز المظلوم أخاه بالكلام و ليس قدر الإتلاف في المزرعة حسب دعوى أخيه و تبين لهُ إنما أعزه في الخطاب بلحن دعوى الغني ، ثم حكم لصاحب الحرث بقدر حقه بالحق يتم دفعه على مكث من ذريّات غنم الفقير ولبنها وسمنها و وبرها ولذلك قال الله تعالى))
((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)صدق الله العظيم
ولذلك قال الله تعالى(وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )صدق الله العظيم
ولكن داوود بادئ الأمر ظلم الفقير بسبب حُكمه بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً بسبب أن أخاه عزه بالكلام بين يدي داوود وظن داوود أن سكوت صاحب الغنم اعترافاً بكلام أخيه أنه حق ، فلم يرد على ما ادعاه أخاه بشيئ من الإنكار و لذلك ظلم داوود الفقير بغير قصد منه ولكن الله ألهم سليمان الحكم الحق بوحي التفهيم و اتبع داوود حكم ابنه سليمان ثم حكم بالحق و لذلك قال الله تعالى)
(((وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )صدق الله العظيم
وأراد الله أن لا يعود خليفته داوود إلى ذلك فلم يكن هين عند الله ، و لو لم يكن بغير قصد من داوود فلا يجوز له أن ينطق بحكمه عن الهوى ، بل لكُل دعوى بُرهان وبيّنة مؤكدة ، و إذا لم توجد فعلى من أنكر اليمين ، ولذلك بعث الله اثنين من الملائكة تسوروا المحراب و لم يدخلوا من الباب و كان داوود عليه الصلاة والسلام ساجدا ً في سجوده الأخير في صلاته فجلس من سجوده فإذا هم أمامه واقفون ، فأوجس منهم خيفة فكيف دخلوا من الباب و هو مُغلق !! ولكنهم رأوا الخوف قد ظهر منهم في وجه نبي الله داوود عليه الصلاة والسلام ، فطمأنوه ..
قال الله تعالى : (( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَ اهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ(22)صدق الله العظيم
ثم ظن داوود أنهم من الرعية مُختصمين و لم يكن يعلمُ أنهم ملائكة و قال ما خطبكم ؟ و من ثم ألقى الملك الذي يُمثل صاحب الأغنام القليلة دعواه وقال :
((إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(23)صدق الله العظيم
و يقصد أن أخاه غني وصاحب أغنام كثيرة بينما هو ليس لديه إلا بنسبة واحد في المائة ويقصد قلة أغنامه ، فضم غنمه القليل إلى غنمه الكثير و عزه بالكلام عند الحاكم ، بينما هم ملائكة و ليس لديهم أغنام ، وإنما يريد الله من داوود أن يذكره بظلمه في حكمه للفقير من قبل لولا أن فهمها الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، المهم إن داوود حكم بحكم مُخالف لحكمه الأول في قصة الحرث والغنم و قال : (( قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )صدق الله العظيم
وبعد أن قضى داوود بالحكمة بينهم بالحق(( وَقَلِيلٌ مَا هُمْ )) أي اختفوا من بين يديه ومن ثم علم و أيقن داوود عليه الصلاة والسلام أنهم ليسوا من البشر بل هم ملائكة ومن ثم علم أنهم يرمزون لصاحب الحرث وصاحب الغنم وإنما يريد الله أن يذكره بحكمه الأول أنه كان فيه ظلم على الفقير وكان داوود لا يزال جالسا" على السجادة ثم خر راكعاً وأناب إلى ربه ليغفر ذنبه ))وقال الله تعالى)
((وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ(24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25)يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)}صدق الله العظيم
ولكن في هذه الآيات كلمات من المُتشابهات كمثال قول الله تعالى)
(( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)}صدق الله العظيم
وكلمة التشابه هو في قول الله تعالى((وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))صدق الله العظيم
فظن الذين لا يعلمون ، أنهُ هوى فتنة النساء ، ومن ثم وضع المنافقون قصة تُشابه هذه الآية في ظاهرها ( وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )صدق الله العظيم
وقالوا إن داوود أحب امرأة أحد قواده فأرسله ليقاتل في سبيل الله لكي يتزوج بامرأته ) قاتلهم الله أنّا يؤفكون فكيف يفعل ذلك نبي لله يعلي كلمة الله و ليس عبداً لشهواته حتى يبعث مُجاهداً في سبيل الله ليتزوج بامرأته و لكن الإمام المهدي يُبطل افتراءهم الباطل بالحق ، فيدمغه وننطق بالحق ونقول إن الهوى في هذا الموضع لا يقصد به هوى العشق بل ذلك من المُتشابهات ، بل يقصد الهوى الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ، مثال قول الله تعالى))
(({وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}صدق الله العظيم
أي أنه لا يتبع الظن فيقول على الله ما لم يعلم فيضل نفسه ومن معه عن سبيل الله ولذلك قال الله تعالى)
(( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ))صدق الله العظيم أي أنه ليس قولاً عن الهوى بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً بل هو وحي يوحى ، علمّه شديد القوى و ذلك لأن الذين ينطقون عن الهوى بالحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون سواء في قضايا المُسلمين أو في اختلافهم في الدين فيحكمون بينهم عن الهوى الذي لا يُغني من الحق شيئاً من غير حُجة ولا بُرهان فحتما" يظلمون أنفسهم ويضلون أمتهم عن سبيل الله الحق ولذلك قال الله تعالى لنبيه داوود))
(( (( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)}صدق الله العظيم
والآن صارت القصة مُفصلة ومفهومة وقال الله تعالى))
((وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ(21)إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَ اهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ(22)إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(23)قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ(24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25)يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)}صدق الله العظيم
ويا عُلماء الأمة احذروا ظاهر المُتشابه من القرآن فظاهره يخالف للعقل والمنطق ، وتأويله غير ظاهره ، وإنما يغركم كلمات مُُتشابهات في الآيات فتجعلوا تأويل المُتشابه كالمحكم و إنكم لخاطئون بذلك لأن المُتشابه ليس ظاهره كباطنه ، ولذلك لا يعلمُ بتأويله إلا الله ، و هو من يُعلم من يشاء بتأويله من عباده بوحي التفهيم ، و ليس وسوسة شيطان رجيم ، ويأتيكم بتأويله بالسُلطان المبين من مُحكم الكتاب ليتذكر أولوا الألباب ، فإن كنتم تريدون الحق فإني الإمام المهدي حقيق لا أقول على الله إلا الحق فإذا وجدتموني أنطقُ عن الهوى بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً من غير علم ولا سُلطان من الرحمن فلا تتبعوني ما لم أهيمن عليكم بالعلم والسُلطان المُبين من مُحكم الكتاب المُبين وسلامُ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين)
أخوكم الداعي إلى الصراط المُستقيم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني
__________________