الإمام ناصر محمد اليماني
03 - 10 - 1430 هـ
23 - 09 - 2009 مـ
10:40 مساءً
ـــــــــــــــــــ
في حكم الصور والتماثيل..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمُرسلين جدّي النّبي الأمّي الأمين وآله التّوّابين المُتطهِّرين والتّابعين للحقّ إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخي الكريم، أهلاً وسهلاً بشخصكم المُحترم وجميع الوافدين لحوار المهديّ الإمام ناصر مُحمد اليماني في طاولة الحوار الحُرّة لجميع عُلماء المُسلمين والنّصارى واليهود وكافة الباحثين عن الحقّ من كافة البشر، أرحِّب بهم جميعاً وحقٌ علينا مفروضٌ أن نحترم من يحترمنا في الحوار مهما كان مُخالفاً لأمرِنا فإنّا لقادرون بإذن الله العليم الحكيم مُعلِّم المهديّ المنتظَر أن نُهيمن عليهم بسُلطان العلم المُحكم البيِّن من أحكام الكتاب المُبين من القرآن العظيم وإنّا لصادقون بإذن الله العزيز الحكيم ولسنا من الذين يقولون ما لا يفعلون..
- وأما السؤال الأول الموجّه إلينا من الضيف الكريم فيقول فيه:
والسؤال هل نستدل بأحكامنا وشرعنا من شرع وأحكام من كانوا قبلنا - فإن هذا شرع من قبلنا.
وإليك الجواب المُحكم من الكتاب المُبين الذي يفهمه عالِم الأمّة وجاهلها لأنَّ الجوابَ سنأتي به مُباشرةً من آيات الكتاب المُحكمات البيِّنات. قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النساء].
- وأما دليلك الذي أتيت لنا به من الكتاب في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة]. وقلتَ إن هذه سُنّة من سُنن الله في كتاب التوراة أنّ التوبة لمن أراد أن يتوب إلى الله من بني إسرائيل فعليه أن يقتل نفسه ثم يتوب الله عليه حسب فتوى أخي زيد بن حارثة.
وإليك الجواب من مُحكم الكتاب إن كنت من أولي الألباب. فكيف تجعل التّوبة إلى الله بارتكاب جريمة من أعظم جرائم الإثم في الكتاب أن يعتدي الإنسان على نفسه بالقتل! وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وأتيتك بالجواب من آيات الكتاب المُحكمات البيِّنات هُنّ أم الكتاب، وأما دليلك فكان من الآيات المُتشابهات في قول الله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
ووجه التشابه فيها هو قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم، والحمدُ لله الذي آتاني البيان الحقّ للكتاب مُحكمه ومُتشابهه الذي لا يعلم بتأويل المُتشابه من الكتاب إلا الله وحده ويُعلّمُ به عبده وإنا لصادقون، وإليك البيان الحقّ لهذه الآية المُتشابهة في الكتاب في قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم، فظننتم بأنّ الذي يُريد أن يتوب من بني إسرائيل فعليه أن يقتل نفسه وإنّكم لخاطئون! فكيف تكون التوبة إلى الله أن ييأس من رحمته فيقوم بقتل نفسه فيرتكب من أعظم آثام الكتاب المُحرّمة في جميع الكُتب السماويّة أن يقتل الإنسان نفسه! تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
بمعنى أنّ قتل النفس هو اليأس من رحمة الله، فكيف تجعلون منه التّوبة إلى الله الذي وعد التّائبين برحمته أن يغفر لهم ذنوبهم جميعاً إنّهُ هو الغفور الرحيم؟ ونعود لبيان الآية المُتشابهة في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
ووجه التّشابه فيها هو قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم، فأمّا التّوبة في هذه الآية فهي من المُحكمات في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم، ومن ثمّ حرقه ونبذه في اليمِّ فنسفه نسفاً ثمّ علموا أنهم ظلموا أنفسهم فتابوا إلى بارئهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴿٥١﴾ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٥٢﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
ونأتي الآن لبيان المُتشابه في قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم، وإنما يقصد الله أن يقتل بعضهم بعضاً فيدفع بعضهم ببعض لمنع الفساد في الأرض. تصديقاً لقول الله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾} صدق الله العظيم [الحج].
ولكنه غرَّكم يا معشر عُلماء المُسلمين وجه التشابه في قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}! وإنما يقصد بأنفسهم أي بعضهم بعضاً، وقال الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [النور].
فانظروا لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [النور]؛ أي فسلِّموا على أنفسِكُم، أي يُسَلِّم على بعضهم بعضٌ من بني جنسهم وليس أنه يقول للحمار أو البقرة السلام عليكم لأنه لن تفطن لغته! بل السلام على أهل البيت الذين دخلتم إلى بيوتهم من أنفسكم فيردون السلام عليكم بأحسن منها فيقولوا أهل البيت: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) أو يردوها فيقولوا: (وعليكم السلام) تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَاإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴿٨٦﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وذلك هو البيان لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [النور]؛ وتبين لنا المقصود من قوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ} أي يُسَلِّم على بعضهم بعضٌ. وكذلك قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} أي يقتل بعضهم بعضاً للجهاد في سبيل الله. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿٦٤﴾ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥﴾ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فانظروا للنتيجة: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
إذاً أصبح الحقّ واضحاً وجليّاً بالمقصود من قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم} صدق الله العظيم [النساء:66]. وهو الدفاع عن ديارهم وعرضهم وأرضهم من المُعتدين عليهم.
وأما قول الله تعالى: {أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم} وذلك الخروج للجهاد في سبيل الله لقتال المُفسدين في الأرض وإعلاء كلمة الله، ومن ثمّ انظروا لقول الله تعالى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
ثم انظروا لقاتل نفسه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء]، أفلا ترون يا معشر علماء الأمّة أنكم لا تعلمون البيان الحقّ للمُتشابه من القرآن فظننتم أن المقصود من قول الله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
فظننتم أنهُ يأمرهم بقتل أنفسهم، فكيف يقول: {ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} أفلا تعقلون! فكيف تتبعون المُتشابه من القرآن والذي لا يزال بحاجة للراسخين في العلم أن يأتوا لكم بتأويله ولم يأمركم الله بتأويله بل أمركم بالإيمان به حتى يبعث الله لكم إماماً كريماً يأتي لكم بتأويله، وأمركم الله بالاستمساك والاتباع لآيات الكتاب المُحكمات البيّنات هُنّ أمّ الكتاب التي بيّن الله لكم فيهم الحلال والحرام. مثال: قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فما لكم وللمُتشابه من القرآن ولم يأمركم الله إلا بالإيمان به؟ أنّهُ كذلك من عند الله ولا يعلم تأويله إلا الله فيُعلّمه لمن يشاء من عباده المُصطفين أئمة للمُسلمين إن وجدوا، وإذا لا يوجد فيكم إمامٌ حكمٌ عدلٌ بالقول الفصل فيما كنتم فيه تختلفون فاتركوا الاختلاف في المُتشابه واتّفِقوا على الإيمان به ثم استمسِكوا بمُحكم الكتاب في آياته المُحكمات البيّنات هُنّ أمّ الكتاب من زاغ عنهنّ واتّبع ظاهر المُتشابه من القرآن فقد غوى وهوى وكأنّما خرَّ من السّماء فتخطّفه الطّير أو تهوي به الريح إلى مكانٍ سحيقٍ في نار جهنّم الأرض السابعة من بعد أرضكم، وهل تدرون لماذا؟ وذلك لأن المُتشابه من القرآن سوف تجدون ظاهرَهُ يُخالف لمُحكم القرآن تماماً. مثال: قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54].
وقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فانظروا في هاتين الآيتين أحدهن من الآيات المُتشابهات وهي قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54]، والأُخرى من الآيات المُحكمات: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
إذاً لو يتّبعوا ظاهر الآية المُتشابه لضلّوا ضلالاً بعيداً وظنّ الذين لا يعلمون أنّ التوبة للآثمين واليائسين من رحمة الله أن يقتل نفسه وأنّ ذلك خيرٌ له عند بارئه ويأتي بالدليل من ظاهر الآية المُتشابهة: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54]، ولكنّه خالف أمر الله المُحكم وازداد إثماً بالإثم الأعظم فكان مصيره نار جهنم خالداً فيها، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فبالله عليكم لو سألتكم: يا معشر علماء الأمّة هل تعلمون البيان لقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} صدق الله العظيم [التوبة:128]؟ لأجبتموني جميعاً وقُلتم: "أي جاءكم رسول بشر مثلكم من ذات أنفسكم". ثمّ أردّ عليكم وأقول: إذاً لماذا أضللتُم بفتواكم أنّ قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54]؛ أنّه يقصد أن يقتلوا أنفسَهم؟ ولم تعلموا إنّه يقصد دفع البشر بعضهم ببعض. تصديقاً لقول الله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾} صدق الله العظيم [الحج].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فانظروا لقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فكيف يُهدى من بعد موته بقتل نفسه أفلا تتقون! فتدبروا وتفكروا في قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
ومنذ متى رُسل الله يأمرون الناس أن يقتلوا أنفسهم؟ حاشا لله. تالله ما أمر الإنسانَ بقتل نفسه إلا الشيطانُ مُخالفةً لأمر الرحمن، فهل تُريدون أن تتّبعوا أمر الشيطان وتعرضوا عن أمر الرحمن؟ أفلا تتّقون يا معشر علماء الأمّة الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ويحسبون أنهم مُهتدون؟
- وأمّا بيانك لقول الله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿١٦٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
فتلك آية من الله لهم أن تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرّعاً مُتطايرةً إلى البر بالساحل ثم تعود إلى البحر كمثل آية ثمود. وقال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ﴿١١﴾ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴿١٢﴾ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴿١٣﴾ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴿١٤﴾ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [الشمس].
وكذلك الحيتان جعلها الله آية لهم وفتنةً لهم؛ هل يلتزمون بأمر الله فلا يعتدوا عليها لأنها سوف تخرج إلى بين أيديهم على ساحل البحر مُتطايرةً من البحر ثم تعود إلى البحر؟ وتلك آيةٌ لهم كما آية ثمود الناقة، والناقة حلال للبشر نحرها كذلك الجمل ولكن الله جعلها آيةً لهم وفتنةً لأنّه يعلم أنهم سوف يُخالفون أمر ربّهم فيعقروها تحديّاً منهم لمُخالفة أمر الله وكفراً منهم بالحقّ، فانظر للنتيجة: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴿١٤﴾ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.
وكذلك أصحاب السبت اعتدوا على الأسماك التي كانت تخرجُ بأمر الله إلى ساحل قريتهم آيةً لهم ونُهوا أن يعتدوا عليها ولكنّهم اعتدوا عليها تحديّاً منهم لمُخالفة أمر الله! فوعظهم الصالحون وقالوا لهم لا تخالفوا أمر الله فتقرَبُوها بسوء فيسحتكم بعذاب بئيسٍ. وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٦٤﴾ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿١٦٥﴾ فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴿١٦٦﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ولكنك جعلتها شريعةً مُستمرةً، ولكننا لا نرى الأسماك اليوم؛ كلّ يوم سبت تتطاير من البحر إلى ساحله اليابسة فتعود إليه، بل كانت تلك آيةٌ من الله محدودة الزمن فتنةً لهم بالالتزام بأمر الله، فهي آية لهم من ربّهم مثلها كمثل الناقة فخالفوا أمر الله تحديّاً منهم.
- وأمّا صيد البر المُحرم على الحُجاج وأنتم حُرُمٌ فكذلك فتنة لهم من الله وابتلاء هل يلتزمون بأمر الله. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٩٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة:94].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} صدق الله العظيم [المائدة:95]، وذلك امتحانٌ للتقوى ليُطهر الله قلوبهم تطهيراً.
- وأمّا بيانك لقول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} صدق الله العظيم [الأنعام:146]، فإنّك لمن الخاطئين.
بل بيانها الحقّ هو: فأمّا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}فذلك مُحرم في التوراة والإنجيل. وأمّا قول الله تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} صدق الله العظيم؛ فتلك طيباتٌ أُحلت لهم وإنّما حرّمها عليهم بأنّ أصاب أغنياءهم من أهل الربا الذين يأكلون أموال الناس بالباطل بأمراضٍ حتى حرَّموها على أنفسهم فإذا أكلوا من اللحم المُختلط بالشحم وهو ألذّ اللحوم فإذا أكلوا منها مرضوا. تصديقاً لقول الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴿١٦٠﴾ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٦١﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وكذلك تُشاهد كثيراً من الأغنياء اليوم الذين لا يُنفقون من أموالهم في سبيل الله يبتليهم الله بأمراضٍ كمرض السكر وما شابه ذلك حتى لا يستمتعوا بأموالهم شيئاً فيحرّموا على أنفسهم، ولو أنفقوا في سبيل الله وتابوا إلى الله متاباً وأنفقوا لشفاهم الله وأكلوا بأموالهم ما لذّ وطاب، وآخرين يبتليهم الله بذلك ابتلاءً من الفقراء.
- وطعام أهل الكتاب حلالٌ لنا كما هو حلالٌ لهم طعامنا إلا ما حرّمه الله علينا جميعاً في الشريعة الإسلامية الحقّ، وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} صدق الله العظيم [المائدة:5].
- وأما تحريم التماثيل والتصاوير، فقد سبقت فتوانا بالحقّ أنّهُ ليس حراماً فيها إلا ما كان سُفوراً وفجوراً وفتنةً للناظرين كمثال صورة النساء العاريات! فلا يجوز أن يُزيّن بها حيطان جدرانه ولا تليق بمُسلمٍ ولن تدخل الملائكة الطوّافون البيوت التي فيها صور امرأة عارية أو صورة لرجل يقبل امرأة أو ما شابه ذلك من صور الفسق والفجور فهذا يدل على عدم تقوى صاحب البيت.
- أما صور أهلك، فاجعل صورة لأبيك في حائط جدرانك حتى إذا مات لا ينساه الناس ولا تنساه أنت فما إنْ تنظر إليه أو ينظر إليه ضيوفك إلا وذكّرتهم صورتُه المُعلقة بالحائط به من بعد موته فيقولون: (الله يرحمه) فيدعون له بالرحمة، وكذلك صورة لأمك في حجرات نسائك حتى إن ماتت فتذكركم بها كُلما رأيتم الصورة فتدعوا لها أو يتذكرنّها الزائرات والأقارب كلما زاروكم فينظرون إلى الصورة فتُذكّرهم بها فيدعون لها بالرحمة والغفران.
فما خطبكم يا قوم لا تُفرّقون بين الحلال والحرام، وجعلتم الصور سواءً في الحُرمة وهما يختلفان؟ صور الفسق والفجور وصور الذِّكرى الخالية من السفور والفجور! فما خطبكم لا تميِّزون بين الحلال والحرام؟ ومن أخطر الفتاوى على العالِم أن يقول هذا حلالٌ وهذا حرامٌ من غير علمٍ ولا سُلطان مُنير، وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿١١٦﴾} صدق الله العظيم [النحل].
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر مُحمد اليماني.
ـــــــــــــــــــ