بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المرسلين , ومن تابعهم باحسان الى يوم الدين . وبعد , لقد جعل الله قصص الأقوام السابقة , فى القرآن , لكى يعتبر بها أولوا الألباب . (( لقد كان فى قصصهم عبرة )) . ثم جاءت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وسيرة صحابته , وأيضا صارت لنا عبرة . وكما قيل فى المثل : ( السعيد من اتعظ بغيره ) . وأنا هنا أريد أن أستلهم بعض هذه القصص , لأبين أهمية طاعة الأمير , وخطورة عصيانه , خصوصا بعد أن يمكن الله لخليفته فى الأرض , الامام ناصر محمد اليمانى . وأدعو الاخوة السابقين الأولين , الذين يحملون هم هذه الدعوة على أكتافهم , أن يولوا هذا الأمر , ما يستحقه من الاهتمام . ويا حبذا أن يقوم الامام , أو من ينوب عنه , بأن يضع لنا ميثاقا , نتعاهد فيه على طاعة الأمير , فى المنشط والمكره , وحتى ان جاء ذلك ضد رغباتنا وأهوائنا . والآن لننظر الى بعض القصص , التى أدى فيها العصيان , الى كوارث حلت على الدعوة . من أشهر قصص العصيان التى أتت بنتائج كارثية , قصة الرماة الخمسين , فى موقعة أحد , والذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يبرحوا أماكنهم مهما كانت الظروف . فلما رأوا أن المسلمين قد انتصروا فى بادئ الأمر , استعجلوا على النزول لجمع الغنائم , وتركوا أماكنهم قبل أن يأذن لهم رسول الله . فجاء خالد بن الوليد , على رأس كتيبة من كفار قريش , وباغت المسلمين من تلك الجهة , وأنزل بهم تلك الهزيمة المرة . وكان من نتيجتها , استشهاد سبعين من خيار الصحابة , وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب , أسد الله وأسد رسوله , وسيد الشهداء يوم القيامة . فيا ليت أنهم كانوا أطاعوا رسول الله . ومن القصص المحزنة أيضا , عصيان بعض أنصار الامام على - كرم الله وجهه - لامامهم , وذلك فى موقعة صفين , التى كانت بين جيش المسلمين , بقيادة خليفة رسول الله , وأمير المؤمنين , الامام على كرم الله وجهه , وبين الفئة الباغية بقيادة معاوية بن أبى سفيان . فعندما كاد جيش الحق أن ينتصر , تفتق ذهن أحد أتباع معاوية , عن خطة جهنمية , لايقاع الفتنة فى صفوف جيش على , وبالتالى انقاذ جيش الفئة الباغية من الهزيمة الوشيكة . فكانت حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح . فحدثت بسبب ذلك البلبلة فى صفوف جيش على , كيف لهم أن يحاربوا من يرفع المصاحف ؟ . ولكن الامام على قال لأنصاره : انما هذه حيلة , ولئن صبرتم ساعة من الزمن , ستنهزم الفئة الباغية . فما أطاع القوم امامهم , وياليتهم كانوا أطاعوا خليفة رسول الله . والسبب هو أن عوام الناس , من الذين لا يفقهون شيئا عن الخطط والأساليب الحربية , انطلت عليهم الحيلة , فبدلا من أن يسلموا أمرهم لأميرهم , ومن معه من العقلاء والنبهاء , اكتفوا برأيهم الضعيف , ورفضوا القتال , فانشق الجيش الى قسمين , أغلبه مع الغوغاء , والذين هددوا امامهم , بأنه لو لم يلتزم بترك الحرب واللجوء الى الحوار , فانهم سيحاربونه باعتباره فى نظرهم , لا يحترم كتاب الله المرفوع على أسنة الرماح !! . هنا تجرع سيدنا على الغيظ , ورضخ لداعى الحوار . فماذا كانت النتيجة ؟ . اتفق الطرفان على تحكيم رجلين , من كل طرف رجل , وما يتوصل اليه هذان الرجلان , يكون ملزما لكافة المسلمين . والمصيبة التى حصلت , هى أن بسطاء العقول , ومتوسطى الذكاء , سيطروا بصوتهم العالى , وجلبتهم الفارغة , على مقاليد الأمر فى أوساط جيش على . فأفلت أمر العامة من يد على , وهذه هى النبوءة التى كان قد أنبأه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم , بأنه لن يموت الا بعد أن يتجرع الغيظ . وأى غيظ أكبر على القائد , من أن يعصيه جنوده , ولا يملك لذلك دفعا ولاردا ؟ وكيف به وهو يراهم يقعون فى شراك الخديعة , دون أن يكون فى وسعه حمايتهم ؟ . هنا نصحهم على بأن يختاروا للتحكيم رجلا من الأذكياء وأصحاب الدهاء , حتى لا تنطلى عليه ألاعيب عمرو بن العاص , ذلك الداهية الذى اختاره معاوية ليمثله فى التحكيم . فماذا اختار القوم السذج البسطاء ؟ ! , لقد اختاروا رجلا صالحا , كل صفاته أنه مشهور بالورع والتقوى , وحفظ كتاب الله وترتيله بأعذب الأصوات , حتى شهد له رسول الله , وقال له : ( لقد أوتيت مزمورا من مزامير داوود ) . ولكنه لم يكن من أهل الدهاء والذكاء والنباهة , والتى يتطلبها الموقف , كونه سيكون فى مواجهة مع داهية العرب , عمرو بن العاص . وكانت النتيجة المعروفة , عندما خدعه عمرو بن العاص , فتشتت جيش على , ونجا جيش معاوية , وازداد ثباتا وقوة على قوته . وكأن على لم يكفه ما تجرعه من الغيظ , فجاءت فئة من أنصاره , من الذين كانوا يعترضون على التحكيم , فشقوا عصا الطاعة , وتمردوا على قيادة على , وجعلوا يقاتلونه , ودارت بينهم المعارك الطاحنة , وكل ما عابوه على الامام على , هو متابعتهم لبعض السفهاء , الذين قالوا بأن الامام على قد خالف كتاب الله . ودليلهم على ذلك , أن الامام على قد رضى بتحكيم رجلين , بينما تقول الآية فى كتاب الله : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم ... )) , (( ان الحكم الا لله )) , فقالوا قولتهم المشهورة , والتى أصبحت شعارا لهم : لا حكم الا لله . فرد عليهم سيدنا على : (( تلك كلمة حق أريد بها باطل )) . ثم أرسل اليهم ابن عمه عبد الله بن العباس , فقال لهم ماذا تنقمون من على ؟ , فقالوا له : لقد احتكم الى الرجال , ولا حكم الا لله . فقال لهم ابن العباس : ألم تسمعوا قول الله : (( حكما من أهله وحكما من أهلها )) ؟ , فجعل الرجال يحكمون فى اختلاف الرجل مع زوجته , فكيف باختلاف الأمة ؟ أليس هو أولى بالتحكيم لأهميته للأمة كلها ؟ , فسكت القوم , فقال لهم : وماذا أيضا ؟ فقالوا له : لقد منعنا على من أخذ الغنائم والسبايا عندما نقاتل الفئة الباغية , فان كانت حربه هذه شرعية , فكان عليه أن يسمح لنا بأخذ الغنائم والسبايا , والا تكون حربه غير شرعية . فذكرهم ابن العباس بموقعة الجمل , وقال لهم : فهل كنتم تريدون أن تأسروا أمكم عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ , فسكت القوم . فقال لهم ابن العباس : ثم ماذ ايضا ؟ , فذكروا له حجة , ففندها لهم كما فعل بسابقتهاا , فاقتنع نصف الخوارج المتمردين , ورجعوا مع ابن العباس , وانضموا الى جماعة المسلمين , وكان عدد الذين رجعوا , ألفا رجل . وأنا هنا أستعجب , سيدنا على , استخدم اللين والشورى مع أنصاره , فماذا كانت النتيجة ؟ , لقد استبد كل منهم برأيه , فتفرقوا وذهبت ريحهم . بينما أن معاوية , أخذ عامة الناس بالشدة , وخوفهم بالسلطان , فخافوه فأطاعوه , وبذل الأموال لزعماء القبائل , وكل من يخاف منه أن يؤلب عليه الناس , فأمن شرهم . فأنظر كيف أن الرجل الصالح الرحيم العادل , الذى وكل الناس الى دينهم , عصوه واختلفوا عليه , والذى أرهبهم بالسلطان , واشترى زعماءهم بالمال , أطاعوه , فاستتب له الأمر . فمن هنا نفهم , بأن الامام العادل , لن يعصم به الله الناس من الفتن , الا اذا أطاعوه كل الطاعة . ولن يطيعوه الا أن يعلموا بأنه فى هذه الطاعة سلامتهم وعزتهم . يحكى أنه كان فى العرب , قبيلة مشهورة بالقوة والعزة والمنعة بين العرب , فسألهم سائل عن سر العزة هذه , فقال له أحدهم : نحن ألف رجل , فسلمنا أمرنا لرجل عاقل , فصرنا ألف عاقل . من هنا نفهم , أن الأمير العاقل , يستفيد من عقله كل أتباعه , على شرط أن يطيعوه ,لا أن يختلفوا عليه . وأنا الآن , أرى بشائر دولة المهدى , وأشم روائح الصحابة , من الأبطال الشجعان , فأتمنى أن أجد لى من أنصار الامام , قائدا شجاعا نابها مثل خالد بن الوليد , فأكون جنديا مخلصا تحت قيادته , ويا لها من سعادة , أن تكون تحت مظلة القائد الرشيد النابغة , فتكون مطمئنا بأنك تمضى فى الاتجاه السليم , ويا لها من نعمة .