بسم الله الرحمن الرحيم
اختلاف المذاهب ناتج عن الغرق في الظنيات
الحمد لله على الهداية إلى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على النبي الأمين -صلى الله عليه وآله وسلم- تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ثم بدل الذين ظلموا قولا غير الذين قيل لهم فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون .. فافترق الناس فرقا وأحزابا وكل حزب بما لديهم فرحون
وليتهم عقلوا أن سبب فرقتهم هو ضلالهم عن كتاب ربهم الذي ينهاهم عن اتباع الظن لأن الظن لا يغني من الحق شيئا
.. وهو احتمال للوجود أو العدم ..
ولكنهم وللأسف جعلوا منه علما وجادلوا عنه جدالا كبيرا فذهب الناس مذاهب كل له من اتباع الظن وما تهوى الأنفس نصيب ،
فهذا يروي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وذاك كذلك وآخر وآخر يغترفون مما يسمونه السنة النبوية وليتهم كانوا عندها على مذهب واحد لو صدق ادعاؤهم ،
فالسنة النبوية كانت واحدة وما كان لنا إلا رسول واحد -صلى الله عليه وآله وسلم-
ولم يكن متناقضا أبدا حتى يروى عنه كل هذه المتناقضات التي هي نقول بأسانيد صحيحة عند من يحتج بها ويلزم بها العالمين
فقالوا بالنسخ وأن هناك أحكاما متأخرة نسخت سابقتها ليجدوا بذلك حلا للمعضلة ، وقام كل فريق يقدم نقولا ويرد أخرى لتوهمه أن هذه ناسخة لتلك ، وليتهم اتفقوا على الترجيح ولكن هذا يدعي أن هذه متأخرة وآخر يرد قوله بل ما رددت هي المتأخرة ..
ثم كيف يروي الأصحاب الكرام المنسوخ ويفتون به !!
يقال لعدم علمهم بالناسخ
وهل يعقل أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كتم عن قوم ما بلغه لآخرين وهو القائل ليبلغ الشاهد الغائب . أين عدالتهم إذن وهم يكتمون عن بعضهم العلم ..
كلا لم يكتموا وما كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا عاما ولكنها أعذارا يصححون بها مذاهبهم ..
وما هذا التقديس للظن من بعد أن ذمه الله
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 36]
وليت هذا وقف عند الفقه ولكنه وصل إلى التفسير فقالوا التفسير بالمأثور وأدخلوا كتب التفسير الغث والسمين والاسرائيليات من بعد أن أعلمهم الله أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقتلون أنبيائهم ويريدون أن تضلوا السبيل وكانوا يبيتون غير الذي يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
ولكنهم يقولون : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج لا تصدقوهم ولا تكذبوهم فلعلكم تصدقونهم بما هو باطل أو تكذبوهم بما هو حق
وينسبون هذا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
وكيف يأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بما هو ظن لا يغني من الحق شيئا والله يحرم أن تقولوا عليه ما لا تعلمون
ثم ما هو الفرق بين الإسرائيليات وغيرها من هذا المبدأ
فكل خبر يحتمل الصدق أو الكذب
وفي الحديث : كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع . فهل هذان الخبران يتفقان ..
كلا بل يتعارضان فأحدهما موافق لمنهج القرآن وآخر دخيل على السنة يخالف القرآن ، ولكنه العمى عن رؤية القذى وليته قذى حقا بل كأنه جذوع الأشجار ..
وما هذا الاطمئنان التام لقول فلان وفلان من الحفاظ حتى لو كانوا أغلبية وكثرة فإن الله لا يصدق الباطل ولن تشفع الكثرة أبدا إذا كان المبدأ اتباع الظن ..
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116]
فمتى اتبع أكثر من في الأرض الظن وساروا على هذا المنهج فإنهم فعلا سيضلون لأن الكثرة لا تقلب الظن والاحتمال يقينا أبدا ..
وما بالهم يتصنعون إثبات ما لا يمكن بحال وهو محال
فكل إسناد لم يصرح فيه الثقات بالسماع أو التحديث لا يمكن الحكم عليه بالاتصال إلا بالاحتمال
فالرواي لم يثبت لقاؤه بمن روى عنه بالاحتمال ولكنه عاصره وهذا كاف عند جمهور الحفاظ للحكم بالاتصال ويجعلون من الظن والاحتمال حجة على الناس ويتهمون من خالفهم
وآخرون قالوا بل نثبت ما ثبت فيه لقاء الرواي بمن روى عنه ونرد خلافه وليتهم اعتمدوا هذا المنهج فتراهم يقولون اللقاء ولو لمرة واحدة في العمر كاف للحكم بالاتصال .
كيف يلقى الرواي من يروي عنه مرة واحدة في العمر ثم يحدث عنه أحاديث كثيرة ولا يقول حدثني أو سمعت بل يروى بما يحتمل الوساطة
فـ (عن) و(أن) لا تحكم بالسماع أو التحديث
ولو قال أحدكم (عن) رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال كذا لما أنكر عليه تعذر الاتصال أحد وهو بينه ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أكثر من ألف عام لأن (عن) لا تفيد الاتصال كـ (سمعت) و(حدثني) ، وكم سمعنا من العلماء (عن) أبي هريرة و(عن) غيره من الصحابة وأين زمانهم وزمان الصحابة بل كتب الحديث مختصرة الأسانيد تبدأ بـ (عن) فلان وليس بين أصحاب الكتب والصحابة معاصرة فضلا عن اللقاء
وهؤلاء الرواة حين يقولون (عن) فلان ، نقول أن (عن) أفادت سمعت وحدثني لأن لهم لقاء مرة واحدة في العمر ،
سبحان الله .. ولو قال أحدنا هذا عمن لقي من أهل زمانه لما أفادت عنعنته هذه هذا الاتصال ..
إنه الاحتمال الذي لا يقوم مقام اليقين بحال .. فلماذا هذا التعصب ..
وما كانت العنعنات إلا في الطبقات الأولى وفي بداية الأسانيد زمن حدوث الفتنة الكبرى وانفلات الأمر يوم لقي المنافقون والذين في قلوبهم مرض مناخا خصبا لوضح الحديث والكذب على لسان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
إن هناك أدلة كثيرة تطعن في صدق كثير من المرويات
فكيف تصح كلها وهي تروي متناقضات وأخبارا يكذبها الواقع العلمي أو الواقع المعيشي وكذا العقل الذي جعله الله حجة على ابن آدم ومناط التكليف ..
ولكنهم يقولون بتقديم النقل على العقل
وليتهم سألوا أنفسهم من وضع قواعد التحديث والرواية واشترط هذه الشروط لتكون الروايات صحيحة
إنه العقل مع شيء من الهوى
فكيف لا يرد العقل ما اجتهد هو لإثباته مع نوع من المغالطة إذا كان لا يتفق مع معاير الصدق والصحة الحقيقية
لماذا لا يجوز له أن يصلح ما أفسده الهوى
ولكنهم قوم لا يعقلون .. فما أحدثوه من علم الحديث لم يأت به وحي
ولكنه الاجتهاد الذي اعتمد تارة على اليقين وتارة على الظن بإضلال من الشيطان الذي مهد لدخول هذه المرويات وانتشارها بين المسلمين كنقول صحيحة وثابته ..
فانظر إلى التعصب بأوضح صوره
وليت لهم موقف ممن همش كتاب الله فجعله لا يعدو أن يكون بين السطور فهو مهجور
لأنه حمال وجوه وغير واضح الدلالة
ولم يفرقوا بين محكم القرآن ومتشابهه فعمموا وصف المتشابه على المحكم أم الكتاب
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } [هود: 17]
كيف يكون هذا الوعيد إذا كان يصح وصفكم لكتاب ربكم الذي حفظه نورا لكم يخرجكم به من الظلمات وكان بالمؤمنين رحيما ..
إنه الجهل بأبهى حلة
جاء الجاهل ليحسن فأساء وليمدح فذم
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) } [طه: 90 - 92]
سبحان الله .. تشابهت قلوبهم فهي تردد قول الذين ظلموا من قبل
فلا تسمع ولا تعقل
وهل تريدون أن يعود لكم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ليكذب هذا الباطل المفترى
ولو سألتم ربكم من وراء حجاب لما أجابكم بغير القرآن
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} [النساء: 174، 175]
ولو شاؤا لقالوا هذا هو موقفنا من السنة وما موقفنا نحن من السنة إلا التسليم والقبول ولكنها روايات ما أنزل الله بها من سلطان
فهذا هو موقفنا من الروايات الباطلة التي يسميها البعض سنة بغيا وعدوا وليست السنة إلا بيانا للقرآن وهي معه لا يفترقان
ثم تراهم يحشدون كما هائلا من الأحاديث التي تثبت قبول رواية الآحاد ويظنون أن هذا خلافنا معهم
بل نقول مثلهم نقبل رواية الآحاد وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يبعث رسله آحادا ليبلغوا رسالته
ولكننا نتحدث عن أمر آخر إنها عنعنات الأسانيد التي تخفي الطامات وما تروون وتحتجون به لا يناقش قضيتنا
ثم أين أنتم من مخالفة القرآن
كيف ينقض البيان القرآن ويخالفه وهو المهيمن على كل الكتاب
يصدق الذي بين يديه إن جاء يوافقه ويهيمن عليه إن كان يخالفه
فالقول أولا وآخرا للقرآن كلام الله الذي فصله تفصيلا فكيف نبتغي غير الله حكما .
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)} [الأنعام: 114 - 117]
إن هذا القرآن يقص عليكم أكثر الذي أنتم فيه تختلفون كما كان يقص على بني إسرائيل أكثر الذي كانوا فيه مختلفون ويرد كل ما خالفه لأنه ليس من عند الله عندئذ ولا يفرق بين الله ورسله
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} [النساء: 150، 151]
وهذا كان حال أهل الكتاب فتوعدهم الله لأنهم آمنوا بما في أيديهم وردوا القرآن الذي أكمل الله به الدين وأتم النعمة فلا تقدموا عليه ما يخالفه فتكونوا كأمثالهم
فتدبروا القرآن لتعلموا أن ما يخالفه ليس من عند الله .
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82]
وهي آية بعد ذكر الله لكيد المنافقين ممن اشتروا الضلالة وأرادوا أن تضلوا السبيل
{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء: 81، 82]
والحكم في ذلك للقرآن لو تدبرتموه لعلمتم الحق من الباطل المفترى لأنه يخالف القرآن ..
إن الله تعالى حفظ القرآن كما أخبر وجاء الواقع يصدق ذلك تماما فلا نجد الناس اختلفوا فيه على نسخ عديدة كحال أهل الكتاب
فهذه الآيات في هذا المصحف هي تلك في ذلك وفي آخر وآخر
لا تختلف ترتيب السور ولا الآيات بدون زيادة ولا نقصان
هذا القول الذي جعل الله تصديقه واقعا حتى يقيم الحجة على الناس برسالة الإسلام إلى قيام الساعة
فلا يدع مدع أنها لم يبقى من الإسلام شيء يصح التمسك به أو أنه للعرب وحسب لأننا نجد أنه بلغ الآفاق فترجم إلى أغلب لغات الأرض بتوفيق من الله حتى تقام الحجة ويوصف بالشمولية للعالمين في الوقت الذي يحاول فيه أهل الكتاب عولمة أديانهم لكن تفريطهم في الكتاب حتى أصبح نسخ عديدة متناقضة لا يجعل منها أديان شمولية ولا حتى لأهلها للتبديل والتحريف والتزييف ومخالفة العقل والفطرة
فلا يعلم الحق فيها إلا إذا صدقه القرآن وما خالفه فلا يمكن أن يكون حقا بحال بل محال
إن هذا التميز لهذا الكتاب الخاتم رسالة الله للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ليجعل منه الإمام والحكم فكيف تجعلونه وراء ظهوركم ومحكوما من روايات الباطل التي لبست لباس الحق بعد أن كشفها وبين زيفها للناس
تضاهئون فعل أهل الكتاب من قبل مع كتاب الله .. مالكم لا ترجون لله وقارا
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ .. (102) } [البقرة]
لقد أثبت الله للناس على الواقع أن الروايات يدخلها الباطل وأنها مليئة بالتناقضات والاضطراب وأنها تحتاج إلى الأسانيد التي تسندها من الوقوع وأن القرآن يتعالى ويترفع عن هذا كله فكيف تكون المرويات قاضية على القرآن وكيف يظن أنها هي من حفظت القرآن وهي لم تحفظ نفسها
إن فاقد الشيء لا يعطيه .. فأين عقولكم يا قوم
إن الحكم هو الذكر المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو من يقرر إذا ما كان الحديث باطلا أفلا تبصرون
إن القرآن الكريم هو من يحفظ السنة النبوية من التحريف فهو الحارس الأمين لهذا الدين فما خالفه ليس من عند الله ولو كره المبطلون
لقد كان للوحي كتبة كثيرون وكانوا يوثقون القرآن وقت نزوله بين يدي النبي الأمي الأمين -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يتدارس ويتلى في الصلوات والخلوات وعلى الناس وتلقته الأمة جيلا عن جيل ..
أما الحديث فقد نهي الناس عن كتابته إلا ما كان من أمر عبد الله بن عمرو بن العاص فقد كان يكتب ولكنه لم يكن بعدها من المكثرين في الرواية ولم يخرج كتابه للناس حتى يعتمدوه ويتواطؤ عليه
ولم يعلم تدوين الحديث إلا في مراحل متأخرة ،
ولكننا نجد من يدعي ولا يصدق دعواه بالبرهان فيقول أن كتابة الحديث كانت في العصر النبوي كالقرآن
{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } [الأنعام: 148]
أقيموا على دعواكم البرهان
أين هذه الكتب
ومن ادعى ذلك من أهل الحديث
وما ذكر غير ذلك تماما
فما ذكر كان أمر عبد الله بن عمرو ولكن كتابه لم يخرج للناس بل على العكس تماما فيروى أنه أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب وكان يحدث منهما فامتنع كبار التابعين عن الرواية عنه
ولا نصدق عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما تصدقون أنتم وما ينبغي لعبد الله أن يحدث من كتب أهل الكتاب وهو يعلم أن الله حرم أن تقولوا عليه ما لا تعلمون
ولكن المنافقين يروجون لأمر يكيدون له كيدا فحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج حتى أصبحت قاعدة مصدقة
فقال الناس على الله بغير علم بعد أن حرمه الله .
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]
أين صحيفة ابن عمرو التي كتب فيها الحديث حتى نلتزمها ..
أين ما كتبه فلان وفلان من الصحابة ووافق عليه الجميع
ولعلكم تقولون وما حاجتنا للإجماع في ذلك إن كانوا عدولا
ونقول وما حاجتنا للإجماع على القرآن
ونحن نعلم أن الصحابة اجتمعوا عليه وأنه هو القرآن الذي يعرفون ومن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كانوا يسمعون
ولكننا لا نطالبكم بهذا الشرط في صحة الحديث بل نطالبكم بأقل من ذلك بكثير
إن شروطنا أن لا يخالف محكم القرآن وأن لا يأتي مخالفا للعقل الذي هو مناط التكليف وحجة الله عليكم فبه تعقلون ..
فالله تعالى في كتبه نادى أولي الألباب
وأثنى على من يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وقال :
{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]
{أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72]
{أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]
{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
وليس هناك آية في القرآن تخالف العقل بل الحجج والبراهين والآيات الدالات لا تدرك إلا بالعقل
وكذلك لا يكون من رواية الكذابين والمتهمين لأنهم لا شهادة لهم في القضاء بين المسلمين فلا نقبلهم كشهداء على رواية السنة النبوية
اللهم صل على عبدك وخليفتك المهدي الهادي إلى الصراط المستقيم والدين القويم من أحييته وجعلت له نورا يمشي به في الناس فاستنار الأنصار والباحثون عن الحق بنور هدايتك واستقاموا على طريقتك
اللهم أجزل له الثواب كما علمنا وصبر على جهلنا وثبت على أمرك
اللهم إنا لم نفرح بعلومنا بعد أن ظهر لنا نور هدايتك وعرفته القلوب التي خرت لك ساجدة واعترفت العيون فهي تفيض من الدمع مما عرفت من الحق مع كل بيان يكشف الظلمة بنور الهداية
اللهم إنا نحب من اخترت لنا جبا جما لأنك من اصطفيته لنا فسمعنا وأطعنا لك وله فحبنا له عنوان محبتنا لك ورضانا برضوانك
حسبنا رضوانك رضى لقلوبنا فما خلقتنا إلا لك لا لأنفسنا
فنحن عبيدك وأنت ربنا فاجعلنا من أحبابك الذين تحبهم ويحبونك وثبتنا على العهد في الدنيا والآخرة يا مقلب القلوب
اللهم لا تحل بين قلوبنا وبين غايتنا أعظم الغايات
اللهم إن الأنصار اجتمعوا من كل البلاد محبة لك لا يعرفون بعضهم ولا قرابة بين أكثرهم يحملون أهدى الرايات محبة لك يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاتك يا رؤوفا بالعباد
اللهم تجاوز عن أخطائنا وضع عنا أوزارنا فإنا نحبك ونطمع في رحمتك
اللهم إن للعبادة مقامات ونختار منها مقام المحبة لك فنحن نعبدك محبة لك ونحس بحسرتك على من أحاطت به خطيئته من عبادك فتحسر على تفريطه في جنبك
اللهم ارزقنا حب الهداية للعالمين لنسعى في رضوانك فأنت لا ترضى لعبادك الكفر ونحن لا نرضاه لرضوانك
يا من أقرب إلينا من أنفسنا وأرحم بنا من أهلينا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
وسلام على المرسلين والمهديين
والحمد لله رب العالمين