بسم الله الرحمن الرحيم
" الإثني عشرية " الكتابية :
************************
قد لا يعرف كثير من الناس أن اليهود والنصارى يؤمنون بـ ( الإثني عشرية ) لكن ليس على ما تعتقده الطائفة الشيعية الإثنا عشرية في انحصار الإمامة في اثني عشر إماماً من آل البيت ، بل على وجه آخر مختلف ؛ حيث إن الكتابيين يؤمنون بأن أبناء يعقوب الاثني عشر ( الأسباط ) قد تركوا ذرية لا يمكن أن تنقرض تمثلها اثنتا عشرة قبيلة ، وستظل ( بقية ) من هذه القبائل موجودة حتى تسود العالم تحت قيادة المخلص في آخر الزمان .
لقد ظل اليهود على هذا المعتقد في أسباط بني إسرائيل ، منتظرين أن يخرج منهم من نسل يعقوب ومن ذرية داود ؛ نبي آخر الزمان ، حتى أُرسل عيسى - عليه السلام - ، فلم يؤمنوا به ، ولكن آمن به النصارى الذين أصبحوا يمثلون امتداداً للمؤمنين من بني إسرائيل وقتها ؛ بينما ثبت على اليهود وصف كفار بني إسرائيل ، وهذا مطابق لإخبار الله - تعالى - عن إرسال عيسى في بني إسرائيل ؛ حيث آمن به من بني إسرائيل قسم ، هم النصارى ، وكفر قسم ، هم اليهود،وهذا واضح في قوله تعالى:
[ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ](الصف : 14) .
ولكن القسم النصراني من بني إسرائيل كفر أيضاً بعد ذلك بادعاء الألوهية في عيسى ، وظل من بقي من بني إسرائيل من يهود ونصارى كفاراً إلا من دخل منهم في الإسلام بعد البعثة الخاتمة ، وهنا يمكننا القول ، وفق نصوص القرآن ، إن بقايا سلالة الأسباط ظلت موجودة حتى زمان تنزل القرآن في شكل يهود ونصارى من كفار بني إسرائيل ؛ فقد خاطبهم الله - تعالى - في أكثر من موضع من الوحي مرة بعبارة : ( يا بني إسرائيل )حين يكون الخطاب ألصق باليهود ، ومرة بعبارة :(ياأهل الكتاب) عندما يعم الخطاب اليهود والنصارى من بني إسرائيل أو من غير بني إسرائيل ممن تهودوا أو تنصروا من سائر الأمم .
ومن المواضع الدالة على بقاء بني إسرائيل حتى زمان تنزل القرآن قول الله- تعالى - :
[ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ](البقرة : 40) .
وقوله - تعالى - : [ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ]
(البقرة : 211) .
وقوله - تعالى - :[ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ](الشعراء : 197) .
وقوله - تعالى - : [ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ](النمل : 76) .
فالقرآن إذن قصّ ، وسيظل يقصُّ على ( بني إسرائيل ) من يهود ونصارى أكثر الذي هم فيه يختلفون .
لقد ظل النصارى ينافسون اليهود على احتكار النسبة إلى " الشعب المختار" و " البقية الصالحة " من بني إسرائيل ، وظل هذا التنافس في القرون التالية لظهور الإسلام .
وكان الأساس الذي استند إليه الطرفان ، نصوصاً من التوراة تشير إلى استمرار تلك البقية من الشعب المختار ، جاء في سفر أشعيا : ( ويكون في ذلك اليوم ، أن بقية إسرائيل ، والناجين من بيت يعقوب ، لا يعودون يتوكلون على ضاربهم ، بل يتوكلون على قدوس إسرائيل بالحق ، ترجع البقية ، بقية يعقوب إلى الله القدير ، لأنه وإن كان شعبك يا إسرائيل كرمل البحر ، ترجع بقية منه ).
وعندما حدث الاختراق اليهودي للنصرانية الكاثوليكية بعد حركة ( الإصلاح الديني ) في القرن السادس عشر للميلاد التي أدخل بموجبها ( مارتن لوثر ) "إصلاحات " جذرية على الديانة النصرانية ، أصبحت بها النصرانية المخترقة قريبة جداً من الديانة اليهودية ؛ حيث جعل مارتن لوثر كتاب التوراة مرجعاً حرفياً للنصارى ، فأصبح كل ما يدين به اليهود من النصوص الحرفية للتوراة يدين به النصارى الذين أطلق عليهم بعد ذلك التحريف اسم : ( البروتستانت ) ، وصاغ (جون كالفن ) الفكر البروتستانتي ليصبح متمرداً على الفكر الكاثوليكي ، واستطاع به أن يسحب البساط من تحت أقدام الكاثوليك بدعوى التميز البروتستانتي عرقياً ودينياً ، وتمكن من نقل معتقد ( الشعب المختار ) بشكله التوراتي الحرفي إلى الديانة البروتستانتية الجديدة ، حتى أصبحت الشعوب التي تدين بهذا المذهب وفي طليعتهم الإنجليز يستشعرون أنهم وحدهم يمثلون الامتداد الطبيعي لـ ( شعب الله المختار ) المسؤول وحده عن قيادة العالم والوصاية عليه باسم الأنجلوساكسونية البروتستانتية .
ولهذا قصة غريبة لا تخلو من الطرافة ! لقد بدأ بعض الباحثين منذ القرن السابع عشر للميلاد يجرون أبحاثاً تاريخية لاهوتية لإثبات أن الشعوب ( الأنجلو ساكسونية ) هي الامتداد الطبيعي لمن تبقى من أسباط بني إسرائيل ، وأنهم ليسوا إلا بقية من بعض قبائل الأسباط المختارة ، وحاول هؤلاء إثبات فرضية هجرة بقايا بني إسرائيل ممن آمن بعيسى - عليه السلام - إلى أوروبا فراراً من بطش الأعداء ، وأنهم تكاثروا حتى أصبحوا شعباً ، وكان أول من حاول إثبات ذلك ؛ الباحث الأكاديمي ( جون سادلر ) من جامعة كمبردج عام 1650م .
وبعد قيام الثورة الفرنسية ومواجهتها للكنيسة الكاثوليكية ، ساد اعتقاد في أوروبا بأن الشعب البريطاني ( الأنجلو ساكسوني ) يمثل الشعب المختار ؛ لأنه ينحدر كما يزعمون من سلالة أفرايم بن يوسف بن يعقوب - عليهما السلام- من زوجته المصرية ، وبُني على ذلك الوهم يقين بأن الشعب الأنجلو ساكسوني البروتستانتي سيظل في بريطانيا وغيرها أميناً على رسالة عيسى حتى يعود فيملك العالم ، وقد أصَّل لهذا المعتقد ( جون ويلسون ) المتوفى سنة 1781م ، وبنى على ذلك عملياً أنه يجب على الشعب البريطاني أن يعيد السيطرة على (أرض الميعاد ) لأنها مكتوبة للصالحين من بني إسرائيل بحسب التوراة ، وفي أواخر القرن التاسع عشر تحرك هذا المعتقد عملياً من خلال ما سمي بالحركات " الأنجلو إسرائيلية " مثل ( جمعية أنجلو إسرائيل ) وجماعة ( أنجلو أفرايم) وجماعة ( ميتروموليتان ) الأنجلو إسرائيلية .
وعندما هاجرت أفواج من الأنجلو ساكسون إلى القارة الأمريكية إبان اكتشافها ، ساد اعتقاد بأن بين المهاجرين مجموعات من سبط ( منسَّى ) وهو الأخ الثاني لإفرايم بن يوسف - عليه السلام - ، وحاول باحثون أمريكيون معاصرون إثبات تلك المقولة من خلال المعلومات المستمدة من الآثار الفرعونية الهيروغليفية في الهرم الأكبر بمصر .
أما اليهود فظلوا في المقابل يحتفظون بدعوى انحدار بعضهم من نسل ( يهوذا ) الذي تمثل قبيلته السبط المختار الذي بسببه سمي اليهود يهوداً وتتعلق به نبوءات آخر التاريخ ، وخصوا اليهود الذين قدموا إلى أوروبا من إسبانيا بذلك ، ولذلك ظلوا يزايدون على دعاية الاصطفاء ، ويجادلون عليها الإنجليز على الرغم من كل ما قدمه الإنجليز لهم من خدمات .
أما الإنجليز أنفسهم ؛ فقد انتعش لديهم الاعتقاد بأن الأنجلو ساكسون هم الشعب المختار حقاً ؛ لأنهم قادوا طائفة البروتستانت في العالم نحو السيطرة على الأرض المقدسة التي ستُترك " مؤقتاً " لليهود في حماية البروتستانت ريثما يعود المسيح ؛ حيث سيكون هؤلاء اليهود أو جزء منهم في طليعة أنصار المسيح عندما يعود ! ! ولكن بريطانيا أفل نجمها كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية ، فتسلم الشعب الأمريكي المنتمي أيضاً في أغلبيته إلى هوية وعرقية الرجل الأبيض الأنجلو ساكسوني البروتستانتي ، تسلم راية المسؤولية عن سيادة ذلك الجنس على العالم باعتباره الوريث الشرعي لدور ( الشعب المختار ) .
هل نتجنى على الأمريكيين عندما نذكِّر ببعض تاريخهم المعبر عن الوجه الآخر من حضارتهم ؟ .. وهل هو حتم علينا أن نكذب على أنفسنا لنصدق حتمية ( نهاية التاريخ ) على الوجه " السعيد " الذي يريده الأمريكيون ، بعد مرحلة سوداء من ( صراع الحضارات ) ؟ !
وهل من الواجب على البشرية كلها أن ترى في الموقف الأمريكي انعكاساً " للاختيار الإلهي " للأنجلوساكسون ثقافياً وحضارياً وسياسياً وعسكرياً كما يريد مثقفو أمريكا أن يفهمونا ؟ !
صحيح أن الشعب الأمريكي ليس واحداً،ومواقف الشرائح المختلفة منه ليست واحدة ، ولكننا نستطيع أن نقول بملءالفم
أن الموقف الأمريكي الرسمي في التعامل مع العالم تمثله سياسة واحدة هي(سياسة الإجرام).. فعلى أساسها يقاتل .
================================================== ==============
ملاحظات توضيحيه(إثرائيه) لبعض الكامات الواردة في البحث
------------------------------------------------------------
1 - الأنجلوساكسون : هم عنصر البيض البروتستانت ، يعتبرون أنفسهم صفوة المجتمع الأمريكي وأصحاب الفضل في تأسيس دولته العملاقة ، فهم الذين شكلوا بذرة الهجرة الأولى لهذه الأرض الجديدة قبل 300 عام ، وهم يحملون في غالبيتهم معتقد البروتستانت (Protestant) الذي يعني الاحتجاج ، وبالرغم من وجود شرائح كبيرة من الأمريكيين ترجع إلى أصول إسبانية وآسيوية وإفريقية ،إلا أن الأنجلوساكسون ذوي الأصول الأوروبية هم العنصر المسيطر والمتسيّد في الولايات المتحدة.
2- الأسباط : جمع سبط ، وهو ابن الابن ، أو الحفيد ، والأسباط المذكورون في القرآن هم أبناء يعقوب الذين هم أحفاد إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - ، ومن هؤلاء الأسباط تشعبت قبائل أبناء يعقوب أو (بني إسرائيل) وهم اثنا عشر ، ستة منهم لأم واحدة ، والباقون كل اثنين من أم .
3- جواتيمالا ، تقع في جنوب الولايات المتحدة بعد المكسيك ، وأكثر سكانها كاثوليك .
4- كانت أمريكا مع إظهارها تأييد العراق تبيع لإيران السلاح ، وتأخذ الثمن لتشتري به أسلحة أخرى لتسليح المتمردين المعروفين بثوار (الكونترا) ، وذلك فيما عرف وقتها بفضيحة (إيران جيت) .
5- احتلت بريطانيا فلسطين قبل أن يدخلها اليهود ، وسيطرت على القدس عام 1917م ، ثم تخلت عنها لليهود بموجب معتقد توراتي آخر ، يؤمنون بمقتضاه أن الشعب القديم من بني إسرائيل (اليهود) سيعود للأرض المقدسة وتكون عودته علامة على قرب مجيء المسيح الثاني .
6- بعدما هيأ الإنجليز أرض فلسطين لليهود خلال ثلاثين عاماً بعد احتلالهم لها عام 1917م ، لم يصبر اليهود على بقاء الإنجليز في فلسطين ، فقاموا بعمليات إرهابية ضدهم لتسريع جلائهم عنها لتخلص لليهود وحدهم ، وكان من أكبر تلك العمليات الإرهابية اليهودية ضد الإنجليز نسف فندق الملك داود ، حيث قتل في تلك العملية ثمانية وثمانون شخصاً معظهم من البريطانيين ، وكان الهجوم من تدبير (مناحيم بيجين) رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في شبابه .
----------------------------------------------------------------------------------------------------
كفانا الله (سبحانه وتعالى) شر إسرائيل وأمريكا..
وأظهر إِمامَنا( المهدي المنتظرناصرمحمد اليماني )عليهم..بإذنه تعالى
في ليلة وهم صاغرون..
ولو كره الكافرون.
وسلام الله على إمامنا المهدي وعلى المرسلين والحمد لله رب العالمين .