الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وكافة المرسلين وعباده الصالحين
اللهم اجعلنا ممن يغلب عليه التوحيد علما وخلقا وحالا
فالله تعالى نور السموات والأرض وقادرعلى أن تشرق أنوار ضياء هذا
... النور في النفوس ، فبه أشرقت الأنوار مسبحة وبه أشرقت السموات والأرض بنور ربها
وبه أشرق الوجود وعم العالم ضياؤه ، وهو القادر أن يبين الحق بنوره
بما صلح به أمر الدنيا والآخرة وهو متم نوره وبالغ أمره ، وهو الذي استلهم عباده ما
يحيي قلوبهم اليه منعمين برضوانه واشراقاتها في النفوس الزكية
بطهارتها وصفاءها ، ولقد دعاه الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخير دعاء *أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة *
وخير نهج هو اتباع الرضوان وسبل السلام ، بقوله تعالى :
* أفمن ابتع رضوان الله * أي : بالطاعة والانقياد وتعظيم قدر الله ، فأهل الرضوان درجات متفاوتة عند الله ، على قدر سعيهم في موجب الرضا ، *هم درجات عند الله * فأهل القرب درجات على قدر تقربهم إلى ربهم وهم أصحاب درجات في حكم الله ، فَمِنْ سعيدٍ مُقَرَّب الى غير ذلك من درجات في العلو أو في الدنو .
ورضوان من الله أكبر ، الذي هو نعيم الأرواح ، أكبر من كل شيء؛ لأن نعيم الأرواح أجل وأعظم من نعيم الأشباح
فالمقرب تجده في لذات قربه بمولاه منعم في حضرته تناله النضرة والسرور والمشاهدة بلقاء ربه .
ففي قوله تعالى * إنَّ أصحابَ الجنَّة اليومَ في شُغُلٍ فَكِهُون *
إشارة أنه لا تنافي بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم وبين شهود أمرهم ، كما أنهم اليومَ مستلذون بمعرفته بأي حالةٍ هم فيها ، ولا يَقْدَحُ اشتغالهم بحُظُوظِهِم في معارفهم وعلو كراماتهم ودرجاتهم .
اصطفاهم الله فى الأزل لحضرته وسماهم المؤمنين أى الصادقين فيما رأوا بقلوبهم أنوار الغيب والمؤمن اذا كان صادقا فهو صالح وشهيد لانه اتبع ببذل نفسه وروحه بمن استنشق من الغيب من نسيم الوصاف وهو مقبول بحبه بمشاهدة الجمال ولا يبالى الله بما جرى على صورته من الزلات فان المؤمن اذا باشر معصية ندم وعض بتلك المعصية له وصار مرامه منغصا بندامته ويذوب قلبه رجاء ربه وكأن معصيته طاعة ، وعدهم بالجنات وقلوبهم فى جنات المشاهدة فكيف يلتفتون الى الجنة ووعدهم بالمساكن الطيبة وهم ساكنون بأرواحهم فى مشاهدة جماله وقربه ووصاله ويجرى عليهم واردات لذة خطابه ولذائذ لطائف ذكره طابت نفوسهم فى مساكن طاعاته باسترواحهم نسيم مروحة رجاء وصاله وطابت عقولهم بدورانها فى أنوار آياته وطابت قلوبهم بشهودها على مشارب صفاته فتشرب منها شربات المحبة برؤيتها بنعت الحيرة وطابت أرواحهم بطيرانها فى سبحات ذاته بأجنحة رضوانه فهى تحلق أبدا الى مساكن كشف قدمه وجلال سرمدية رضوانه الأكبر بتسلم صبح الصفات فى وجوه الهائمين فى محبة مشاهدة الذات ، فيا أحباب هؤلاء فى الدّنيا فى طيب مساكن الوصلة وجنات عدن القربة وما داموا هٱهنا فى هذه الغربة وجدوا ما يعاين لأهل الوعد فلا ينالون بالغد، فكيف يلتفت الى حسن النظر وطيب المسكن وان كانوا فى موضع وحش فلا تعجب اذا أشرقت أنواره رضوانه في النفوس بفتح منه سبحانه وتعالى في يوم مشهود .
وهم ما قدروا الله حق قدره في الرحمة والانعام والاكرام والرضوان
أي: ما عَرفُوه حق معرفته في الرحمة والإنعام على العباد
وما عرفوا كمال رحمته ورضوانه والرضوان صفة لرحمته الشديدة على عباده
يجدوا تجليات حقيقتها في نفوسهم ونجد أيضا حقيقتها في تأويل الرسول صلى الله
عليه وسلم اذ أول الرضوان الأكبر لله أنه يتجلى على عبده وهذا لم ينتبه اليه العلماء .
ومن قَدَر الله حق قدره وعظَّمه حق تعظيمه لراعى حقوقا عظيمة واتبع سبل رضوانه
و هم ما عرفوه تعالى حق معرفته فى اللطف بعباده والرحمة والرضوان عليهم
وهو القادر أن يبينها حقيقة مشرقة في نفوسهم برضوانه فيآلف بين قلوبهم وهم ما قدروا
كمال حقيقتها وأنها واصلة باذن ربها اذا عرفوه وقدروه حق قدره .
وهم ما عرفوه حق معرفته إذ بالغوا في تنزيهه حتى جعلوه بعيداً من عباده بحيث لا
يمكن أن يظهر من علمه وكلامه ورضوانه عليهم شيء ، ولو عرفوه حق معرفته لعلموا أن
لا وجود لعباده ولا لشيء آخر إلا به ، وهو القريب من عباده الذين يبتغون
فضله ورضوانه ، ويمن على عباده بفضله ومحبته فيتبين لهم الحق .
والدخول في رضوانه لكل الأمم والشعوب تتضمن الغاية من خلقهم و تحثهم على تآلفهم على الحق
وكاشارة جلية *قوم يحبهم ويحبونه* لأن الرضوان هو صلة الوصل في المحبة وزيادة الشوق
والوصول لمن ابتغى وجهه وجاهد في الله حق جهاده منفقا من عفوه دعوة الى الحق واجماع الأمر .
واذا عرفوا قدره وعظيم عفوه وكمال رحمته أحبوه حبا شديدا وتآلفت قلوبهم وأشرق في
قلوبهم رضوانه بعظيم معرفة محبوبهم .
وما رضوا الا بنعيم رضوان نفسه لأنهم أحبوه حبا شديدا وأشرقت أنوار هذه المحبة
الواصلة ووجدوها حقيقة صفتها في قلوبهم .
فعسى يا أحباب أن يفتح الله عين بصيرتكم فتروا ما لا عين رأت أو تسمع قلوبكم ما
لا أذن سمعت أو ينوّر الله قلوبكم فتدركوا ما لا خطر على قلب بشر.
فما نحدثكم عنه ليس مجرد أشواق وأذواق بل حقائق مزكاة جاء ذكرها في
في عزيز خطاب الله عز وجل ، والتي تحيي القلوب وتستلهم الأرواح وتصلهم بمعارف
الأنوار المشرقة فتزيدهم بفضله هدى وهي تحمل بعدا قيميا انسانيا كونيا ذا نواة
اسلامية خالصة و تتحقق بها معرفة شمولية مستنيرة ومتدبرة وما ورد من الحقائق
الحقة واليقينية المبينة ، ولا يبلغ فهمها معرفة مبلغها من العلم
ما كان ناقصا متلاشيا مبعثرا وقاصرا ومجزءا في الفهم والتدبر
وذلك لأن الحكمة والاحسان اخوان بعظيم معرفة وقدر
ولأن الاحسان فعل ما ينبغي والحكمة وضع الشيء
في موضعه ورسالة الاسلام هي رسالة الرحمة للعالمين
.